اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 1 صفحة : 161
لرجل من البادية يذمر قومه
و جنى قوم من أهل اليمامة [1] جناية، فأرسل السلطان إليهم جندا من محاربة بن زياد. فقام رجل من أهل البادية يذمّر أصحابه فقال: يا معشر العرب، و يا بني المحصنات، قاتلوا عن أحسابكم و أنسابكم؛ فو اللّه لئن ظهر هؤلاء عليكم لا يدعون بها لبنة حمراء و لا نخلة خضراء إلا وضعوها بالأرض، و لاعتراكم من نشّاب معهم في جعاب كأنها أيور الفيلة ينزعون في قسّي كأنها الغبط [2] ، تئطّ [3] إحداهن أطيط الزّرنوق [4] ، يمعط [5] أحدهم فيها حتى يتفرّق شعر إبطيه، ثم يرسل نشّابة كأنها رشاء منقطع، فما بين أحدكم و بين أن تنفضخ عينه أو ينصدع قلبه منزلة. فخلع قلوبهم فطاروا رعبا.
مشاورة المهدي لأهل بيته في حرب خراسان
هذا ما تراجع فيه المهديّ و وزراؤه، و ما دار بينهم من تدبير الرأي في حرب خراسان، أيام تحاملت عليهم العمال و أعنفت، فحملتهم الدالة و ما تقدّم لهم من المكانة على أن نكثوا بيعتهم، و نقضوا موثقهم، و طردوا العمال، و التووا بما عليهم من الخراج. و حمل المهديّ ما يحب من مصلحتهم و يكره من عنتهم على أن أقال عثرتهم [6] ، و اغتفر زلّتهم، و احتمل دالّتهم؛ تطوّلا بالفضل، و اتساعا بالعفو، و أخذا بالحجة، و رفقا بالسياسة؛ و لذلك لم يزل مذ حمّله اللّه أعباء الخلافة، و قلّده أمور
[1] كذا في بعض الأصول و عيون الأخبار، و الذي في سائر الأصول: «المدينة» .
[2] الغبط: جمع غبيط، و هو الرحل الذي قتبه و أحناؤه واحدة.