responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ    الجزء : 2  صفحة : 8

أقطارها، و سيقت إليه القلوب بأزمتها، و جمعت النفوس المختلفة الأهواء على محبته، و جبلت على تصويب إرادته. و من أعاره اللّه من معونته نصيبا، و أفرغ عليه من محبته ذنوبا، جلبت إليه المعاني، و سلس له النظام، و كان قد أعفى المستمع من كد التكلف، و أراح قارئ الكتاب من علاج التفهم. و لم أجد في خطب السلف الطيب و الأعراب الأقحاح، ألفاظا مسخوطة، و لا معاني مدخولة، و لا طبعا رديئا، و لا قولا مستكرها. و أكثر ما تجد ذلك في خطب المولدين، و في خطب البلديين المتكلفين، و من أهل الصنعة المتأدبين، و سواء كان ذلك منهم على جهة الارتجال و الاقتضاب، أم كان من نتاج التحبير و التفكير.

[طبقات الشعراء]

و من شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولا كريتا [1] ، و زمنا طويلا، يردد فيها نظره، و يجيل فيها عقله، و يقلب فيها رأيه، اتهاما لعقله، و تتبعا على نفسه، فيجعل عقله، زماما على رأيه، و رأيه عيارا على شعره، إشفاقا على أدبه، و إحرازا لما خوله اللّه تعالى من نعمته. و كانوا يسمون تلك القصائد: الحوليات، و المقلّدات، و المنقّحات، و المحكّمات، ليصير قائلها فحلا خنذيذا، و شاعرا مفلقا.

و في بيوت الشعر الأمثال و الأوابد، و منها الشواهد، و منها الشوارد.

و الشعراء عندهم أربع طبقات. فأولهم: الفحل الخنذيذ. و الخنذيذ هو التام. قال الأصمعي: قال رؤبة: «الفحولة هم الرواة» . و دون الفحل الخنذيذ الشاعر المفلق، و دون ذلك الشاعر فقط، و الرابع الشعرور. و لذلك قال الأول في هجاء بعض الشعراء:

يا رابع الشعراء كيف هجوتني # و زعمت أني مفحم لا أنطق‌


[1] كريت: كامل.

اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ    الجزء : 2  صفحة : 8
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست