فلمّا أن تغمّر صاح فيها * ولمّا يغلب الصّبح المنير
( و التّغمرّ ) : شرب دون الرّي وذلك من خوف الرّماة و ( الصّبح المنير ) : الواضح أي كان ذلك سحرا قبل استنارة الصّبح . وقال الرّاعي في مثله :
فصبّحن مسجورا سقته غمامة * دعاك القطا ينفضن فيه الخوافيا
وقال ذو الرّمة :
ففسلت وعمود الصّبح منصدع * عنها وسائرها باللَّيل محتجب
فهذه الأبيات كلَّها وقّتت آخر اللَّيل . ومما يستدل بالقرينة على حده قول امرئ القيس :
إذا ما الثّريا في السّماء تعرّضت * تعرّض أثناء الوشاح المفصّل
أ لا ترى أنّ هذا الوصف وإن كان يتّفق في كل آناء اللَّيل فقد حظره بقوله :
فجئت وقد نضّت لنوم ثيابها * لدى السّتر إلَّا لبسة المتفضّل
فلما علم أنّ الموقت يكون من أوّل الليل وأنّ الذي وصف من تعرّض الثّريا إنمّا يكون عند انصبابها للمغيب ، علم أنّ الزمان زمان الدفيء ، فباجتماع هذه الأدلة عاد محظورا بعد أن كان مرسلا ، ومثله قول حاتم :
و عاذلة هبّت بليل تلومني * وقد غاب عيّوق الثّريا فغرّدا
( فغيبوبة العيّوق ) : وإن كان قد يكون في كل آناء اللَّيل ففي ذكره ( العاذلة ) دليل على أنّه في آخر اللَّيل ، لأنّه وقت العواذل بدلالة قول زهير شعرا :
غدوت عليه غدوة فوجدته * قعودا لديه بالصّريم عواذله
( و الصّريم ) : بقية من اللَّيل لأنّهن يأتين بعد نومهنّ وبعد إفاقة المعذول . و إذا علم أنّ هذا الوقت الذي عنى الشاعر هو في آخر الليل معلوم وهو زمن الشتّاء وليالي التّمام ، فقد صار الزّمان معلوما والوقت محظورا بالأدلة ، ( و التّغريد ) : العدول إلى