وحكى أبو
الحَسنِ : رأيتُ مِئْيًا ، فى معنى مائَةٍ ، حكاه عنهُ ابن جِنِّى ، قال : وهذِه دِلالَةٌ
قاطِعَةٌ على كَوْنِ اللامِ ياءً ، قالَ : ورَأَيْتُ ابنَ الأَعْرابِى قد ذَهَبَ
إلى ذلك ، فقال فى بَعْضِ أمَاليهِ : إنَّ أَصْلَ مائَةٍ
مِئْيَةٌ ، فذكرتُ ذلك
لأبِى عَلىٍّ فَعَجِبَ منه أن يكونَ ابنُ الأَعْرابِىّ يَنْظُرُ من هذِه
الصِّنَاعَةِ فى مثلِهِ ، وقالُوا : ثَلَثُمِائَةٍ ، فأَضافوا أَدْنَى العَدَدِ
إلى الواحِدِ لدِلالَتِهِ على الجَمعِ ، كما قالَ :
وقد يُقالُ :
ثَلاثُ مِئَاتٍ وَمِئِينَ ، والإفرادُ أَكْثَرُ على شُذُوذِه ، والإِضافَةُ إلى مائَةٍ فى قولِ سِيبَوَيهِ ويُونُسَ جَمِيعًا فِيمَنْ رَدَّ
اللامَ : مِئَوِىٌ كَمِعَوِىٍّ ، ووجْهُ ذلك أنّ مِائَةً أصْلُها عند الجماعة : مِئْيَةٌ ساكِنَةُ العَيْنِ ،
فلما حُذِفَتِ اللامُ تَخْفِيفًا جاوَرَتِ العَيْنُ تَاءَ التَّأنِيثِ ،
فانفَتَحَتْ على العادَةِ والعُرْفِ فقِيل : مِائَةٌ ، فإذا رَدَدْتَ اللامَ ، فَمَذْهَبُ سِيبَوَيهِ أن
تُقَرَّ العَيْنُ بحَالِها مُتَحرِّكَةً ، وقد كانَتْ قَبْلَ الرَّدِّ مَفْتُوحَةً
، فَتَنْقلِبُ لها اللامُ ألِفًا فيَصِيرُ تَقْدِيرُها : مِئًى كَثِنًى ، فإذا أَضَفْتَ إليها أَبْدَلْتَ الأَلِفَ
واوًا فَقُلْتَ : مِئَوِىٌ
كثِنَوِىٍّ ، وأما
مَذْهَبُ يُونُسَ فإنه كانَ إذا نَسَبَ إلى فَعْلَةٍ أو فِعْلَةٍ ممَّا لامُهُ
ياءٌ ، أَجْرَاهُ مُجْرَى ما أَصْلُهُ (فَعِلَةٌ) أو (فِعِلَةٌ) فيقولُ فى
الإِضافَةِ إلى ظَبْيَةٍ : ظَبْوِىٌّ ، ويَحْتَجُّ بقَولِ العَرَبِ فى النَّسَبِ
إلى بِطْيَةٍ : بِطَوِىٌّ وإلى زِنْيَةٍ : زِنَوِىٌّ ، فقياسُ هذا أن يُجْرِى مِائَةً ـ وإن كانَتْ فِعْلَةً ـ مُجْرَى فِعِلَةٍ ، فيقولُ
فيها : مِئَوِىٌ ، فيتَّفِقُ اللَّفْظَانِ من أصْلَينِ مُخْتَلِفَينِ.