اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : المنقري، نصر بن مزاحم الجزء : 1 صفحة : 254
و فعل ذلك احتسابا و ترغيبا في الخير؛ ليعمل الناس كلهم، و لا يرغب أحد بنفسه عن نفس رسول الله (صلّى اللّه عليه و سلم) و لهذا أسند ابن زبالة عن مجمع بن يزيد أنه قال عقب ذلك: و عملوا فيه و دأبوا، فقال قائل من المسلمين:
لئن قعدنا و النّبيّ يعمل * * * ذاك إذا للعمل المضلّل
و أسند أيضا أن علي بن أبي طالب كان يرتجز و هو يعمل فيه يقول:
لا يستوي من يعمر المساجدا * * * يدأب فيها قائما و قاعدا
و من يرى عن الغبار حائدا
و أسند هو أيضا و يحيى من طريقه و المجد، و لم يخرجه، عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: بنى رسول الله (صلّى اللّه عليه و سلم) مسجده، فقرب اللبن و ما يحتاجون إليه، فقام رسول الله (صلّى اللّه عليه و سلم) فوضع رداءه، فلما رأى ذلك المهاجرون الأولون و الأنصار ألقوا أرديتهم و أكسيتهم، و جعلوا يرتجزون و يعملون و يقولون:
لئن قعدنا و النبيّ يعمل
البيت.
و كان عثمان بن عفان (رضي الله عنه) رجلا نظيفا متنظفا، و كان يحمل اللبنة فيجافي بها عن ثوبه، فإذا وضعها نفض كمه، و نظر إلى ثوبه، فإن أصابه شيء من التراب نفضه، فنظر إليه علي بن أبي طالب فأنشأ يقول:
لا يستوي من يعمر المساجدا
الأبيات المتقدمة.
فسمعها عمار بن ياسر، فجعل يرتجز بها و هو لا يدري من يعني بها، فمر بعثمان فقال: يا ابن سمية، ما أعرفني بمن تعرض، و معه جريدة فقال: لتكفن أو لأعترضن بها وجهك، فسمعه النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) و هو جالس في ظل بيتي، يعني أم سلمة، و في كتاب يحيى «في ظل بيته»- فغضب رسول الله (صلّى اللّه عليه و سلم) ثم قال: إن عمار بن ياسر جلدة ما بين عيني و أنفي، فإذا بلغ ذلك من المرء فقد بلغ، و وضع يده بين عينيه، فكف الناس عن ذلك، ثم قالوا لعمار: إن النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) قد غضب فيك، و نخاف أن ينزل فينا القرآن، فقال: أنا أرضيه كما غضب، فقال: يا رسول الله مالي و لأصحابك؟ قال: مالك و ما لهم؟ قال: يريدون قتلي، يحملون لبنة لبنة و يحملون علي اللبنتين و الثلاث، فأخذ بيده فطاف به في المسجد، و جعل يمسح و فرته [1] بيده من التراب و يقول: يا ابن سمية لا يقتلك أصحابي، و لكن تقتلك الفئة الباغية.
[1] الوفرة: الشعر المجتمع على الرأس، أو ما جاوز شحمة الأذن.
اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : المنقري، نصر بن مزاحم الجزء : 1 صفحة : 254