وقّاص، ففضّ اللّه جموع الفرس، و شرّدهم، و ذلك في سنة تسع عشرة من الهجرة.
و من جلولاء إلى خانقين [1] و هي من أجلّ القرى و أعظمها أمرا، و من خانقين إلى قصر شيرين [2].
[1] خانقين: بلدة من نواحي السواد في طريق همذان من بغداد، و بينها و بين قصر شيرين ستة فراسخ لمن يريد الجبال، و من قصر شيرين إلى حلوان ستة فراسخ، و هي من أعمال الجبل بقرب شهرزور، سمّي الموضع بذلك لأن النعمان حبس به عدي بن زيد و خنقه فيه حتى مات، و هناك حبس النعمان حتى مات، و بخانقين نهر كبير قد بنيت عليه قنطرة عظيمة طبقا بالجصّ و الآجر.
و في خانقين كان التقاء سفيان بن أبي العالية مع شبيب الخارجي فهزمه شبيب سنة ست و سبعين. (معجم البلدان ج 2/ ص 390، الروض المعطار ص 210).
[2] قصر شيرين: بكسر الشين، و شيرين بالفارسية تعني الحلو، و هو اسم حظية كسرى أبرويز، و كانت من أجمل خلق اللّه، و الفرس يقولون: كان لكسرى أبرويز ثلاثة أشياء لم يكن لملك قبله و لا بعده مثلها: فرسه شبديز، و جاريته شيرين، و مغنّيه و عوّاده بلهبذ.
و قصر شيرين موضع قريب من قرميسين بين همذان و حلوان في طريق بغداد إلى همذان، و فيه أبنية عظيمة شاهقة بكلّ الطّرف عن تحديدها، و يضيق الفكر عن الإحاطة بها، و هي إيوانات كثيرة متّصلة، و خلوات، و خزائن، و قصور، و عقود، و منتزهات، و مستشرقات، و أروقة، و ميادين، و مصايد، و حجرات تدلّ على طول و قوّة.
قال محمد بن أحمد الهمذاني: كان السبب في بناء قصر شيرين، و هو أحد عجائب الدنيا، أن أبرويز الملك و كان مقامه بقرميسين أمر أن يبنى له باغ يكون فرسخين في فرسخين و أن يحصّل فيه من كلّ صيد حتى يتناسل جميعه و وكّل بذلك ألف رجل، و أجرى على كل رجل في كل يوم خمسة أرغفة من الخبر، و رطلين لحما، و دورق خمر، فأقاموا في عمله و تحصيل صيوده سبع سنين حتى فرغوا من جميع ذلك.
فلمّا تمّ و استحكم صاروا إلى البلهبذ المغنّي و سألوه أن يخبر الملك بفراغهم ممّا أمروا به، فقال: أفعل. فعمل صوتا و غنّاه به، و سمّاه باغ نخجيران، أي بستان الصيد، فطرب الملك عليه و أمر للصنّاع بمال.
فلما سكر قال لشيرين: سليني حاجة، فقالت: حاجتي أن تصيّر في هذا البستان نهرين من حجارة تجري فيهما الخمور، و تبني لي بينهما قصرا لم يبن في مملكتك مثله، فأجابها إلى ذلك و كان السكر قد غلب عليه فأنسي ما سألته، و لم تجسر أن تذكّره به، فقالت لبلهبذ:
ذكّره حاجتي و لك عليّ أن أهب لك ضيعتي بأصبهان، فأجابها إلى ذلك و عمل صوتا ذكّره فيه ما وعد به شيرين و غنّاه إيّاه. فقال: أذكرتني ما كنت قد أنسيته، و أمر بعمل النهرين، و بناء القصر بينهما، فبني على أحسن ما يكون و أحكمه، و وفت لبلهبذ بضمانها، فنقل عياله إلى هناك. (معجم البلدان ج 4/ ص 407).