قال منصور بن عمّار [1]: خرجت في ليلة قد قيّدت العيون ظلامها، و أخذ بالأنفاس حندسها، فما يسمع إلّا غطيط. و لا يحسّ إلّا نباح، فوجدت في بعض أبواب أهل الدنيا الذين قد سخّرهم زخرفها، و راقهم زبرجها، و شغف قلوبهم بهجتها، رجلا واقفا و هو يقول بصوت لم يسمع أحسن منه و لا أشجى لقلب و لا أقرح لكبد و لا أبكى لعين:
أنا المسيء المذنب الخاطي* * * المفرط البيّن إفراطي
فإن تعاقب كنت أهلا له* * * و أنت أهل العفو عن خاطي
فلا و اللّه أن ملكت نفسي، و تذكّرت ما سلف من ذنوبي، و وقفت كالواله المرعوب الحائر قد امتلأت من اللّه خوفا، و عملت على أنّي قد أحرزت وعظا فقلت: أيّها القائل ما أسمع و الباكي على ما سلف زدنا من هذا، فإنّ دواءك قد وافق داء قديما فعسى أن يشفيه، فزاد في صوته بترجيع قوله الذي قرح، قلبي و ذكّرني ذنبي، ثم قال:
يا ساحرا أورطني حبّه* * * و عشقه في شرّ إيراط
قلت: قبحك اللّه واعظا و ترّحك، و آجرني على وقفتي عليك و طلبي منك، و أنت تطيع الشيطان و تعصى الرحمن، ثم قلت: اللهمّ اغفر لي و تب عليه.
و قال عوف بن مسكين: سمع الربيع بن خثيم في جوف الليل رجلا يقول: