ثم بالنار يعيش أصل الأرض من وجوه، فمن ذلك صنيع الشمس في البرد و الماء و الأرض. و لأنها صلاح جميع الحيوان عند حاجتها إلى دفع عادية البرد، ثم سراجهم الذي يستصبحون و بضيائه يميزون الأمور.
و في الأرض عيون قار و عيون زئبق و عيون نفط و كبريت، و معادن ذهب و فضة و رصاص و نحاس و حديد. فلو لا ما في بطن الأرض من أجزاء النار، ما ذاب في قعرها جامد و لما انسبك في معادنها شيء من الجواهر، و لما كان لقواها جامع و لخبثها مفرّق [1].
ثم رجع بنا القول إلى ذكر البلدان.
قالوا: و في بعض رساتيق همذان عيون ماء تنبع، فإذا جرى من مكانه و زال عن موضعه تحجّر و صار صخرا تبنى به الأبنية.
و قيل أيضا إن الشب اليماني إنما هو ماء يقطر من كهوف في جبال باليمن، فإذا وقع إلى الأرض استحجر و صار شبّا و حمل إلى سائر البلدان. و كذلك النوشاذر و معدنه كهف بكرمان. و زعموا أنه بخار يتكاثف في ذلك الكهف، فإذا اجتمع خرج إليه السلطان و أهل البلد فجمعوه و أخذ السلطان حصة منه و سلّم الباقي إلى أهل البلد فتوزّعوه على رسوم قد تراضوا بها.
ذكر ما خصّ اللّه تعالى كل بلدة بشيء من الأمتعة دون غيرها
و قال بعض العلماء: لولا أن اللّه عزّ و جلّ بلطفه خصّ كل بلد من البلدان و أعطى كل إقليم من الأقاليم شيئا قد منعه غيره، [130 أ] لبطلت التجارات
[1] في الحيوان 5: 102 (لمتقاربها جامع و لمختلفها مفرّق) و إلى هنا يتوقف ابن الفقيه عن الاقتباس من الجاحظ.