قال ياقوت الحموي و هو يردّ على من طلب إليه أن يختصر كتابه (معجم البلدان): «حكي عن الجاحظ أنه صنّف كتابا و بوّبه أبوابا. فأخذه بعض أهل عصره فحذف منه أشياء و جعله أشلاء. فأحضره و قال له: يا هذا! إنّ المصنّف كالمصوّر.
و قد صورت في تصنيفي صورة كانت لها عينان فعورتهما- أعمى اللّه عينيك- و كان لها أذنان فصلمتهما- صلم اللّه أذنيك- و كان لها يدان فقطعتهما- قطع اللّه يديك-.
حتى عدّ أعضاء الصورة. فاعتذر إليه الرجل بجهله هذا المقدار و تاب إليه عن المعاودة إلى مثله» [1].
و ينطبق ما قاله الجاحظ على من اختصر الكتاب الذي نضعه بين أيدي القراء الكرام، حيث بلغ اختصاره أحيانا حدا أدى إلى غموض الجمل و ضياع الأسانيد بما لها من خطورة و أهمية في تحديد أزمان الوقائع. فقد حذف مثلا اسم الرحالة تميم بن بحر المطوعي الذي قام برحلة إلى آسيا الوسطى و حدث بأخبارها ابن الفقيه، و حذف تبعا لذلك الرحلة بكاملها. و حذف المعلومات المهمة التي أوردها ابن الفقيه نقلا عن أبي العباس المروزي عن القبائل التركية و التي نقلها ياقوت فيما بعد عن النسخة الكاملة لكتاب ابن الفقيه. كما حذف أخطر فصول الكتاب على الإطلاق و نعني به الفصل المسمى ب (ذكر بعض مدن الأتراك و عجائبها) الذي نقله