منها خاصيّة عجيبة وحكمة بديعة ، فإن الحجر الصلد يتولّد فيه الجواهر
النفيسة كاليواقيت والزبرجد وغيرهما ، والطين الحرّ ينبت الثمار والزروع بعجيب
ألوانها وأشكالها وطعومها وروايحها ، والطينة السبخة يتولّد منها الشبوب والزاجات
والاملاح بفوايدها ، وكذلك الإنسان حيوان متساوي الآحاد بالحدّ والحقيقة ، لكن
بواسطة الالطاف الإلهيّة تختلف آثارهم ، فصار أحدهم عالما محقّقا ، والآخر عابدا
ورعا ، والآخر صانعا حاذقا. فالعالم ينفع الناس بعلمه ، والعابد ببركته ، والصانع
بصنعته ؛ فذكرت في هذا الكتاب ما كان من البلاد مخصوصا بعجيب صنع الله تعالى ، ومن
كان من العباد مخصوصا بمزيد لطفه وعنايته ، فإنّه جليس أنيس يحدثك بعجيب صنع الله
تعالى ، ويعرّفك أحوال الأمم الماضية ، وما كانوا عليه من مكارم الأخلاق ومآثر
الآداب ، ويفصح بأحوال البلاد كأنّك تشاهدها ، ويعرب عن أخبار الكرام كأنّك
تجالسهم :
جليس أنيس
يأمن الناس شرّه
ويذكر أنواع
المكارم والنّهى
ويأمر
بالإحسان والبرّ والتّقى
وينهى عن
الطّغيان والشرّ والأذى
ومن انتفع
بكتابي هذا وذكرني بالخير ، جعله الله من الأبرار ورفع درجاته في عقبى الدار.
وأسأل الله تعالى العفو عمّا طغى به القلم أو همّ أوسها بذلك أو لمّ ، إنّه على
كلّ شيء قدير وبالإجابة جدير. ولنقدّم على المقصود مقدّمات لابدّ منها ، لحصول
تمام الغرض ، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.