responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عيون الانباء في طبقات الاطباء المؤلف : ابن أبي أصيبعة    الجزء : 1  صفحة : 674
أُمُوره قوانين حفظ الصِّحَّة الْمَوْجُودَة
قَالَ وَلَقَد بَلغنِي أَنه كَانَ يقتني أَجود الطباخات ويتقدم إِلَيْهَا بِأَحْكَام مَا يغلب على ظَنّه الِانْتِفَاع بِاسْتِعْمَالِهِ فِي نَهَاره ذَلِك بِمَا بَاشرهُ من نَفسه وَمَا غلب عَلَيْهِ من الأخلاط فِي يَوْمه فَإِذا أنجزته وأعلمته بذلك طلب من يؤاكله من مؤانسيه
فَإِذا حضر مِنْهُ من حضر استأذنته فِي إِحْضَار الطَّعَام فَيَقُول لَهَا أخريه فَإِن الشَّهْوَة لم تصدق بعد فتؤخره إِلَى أَن يستدعيه وَيَقُول أعجلي فَتَأْتِيه بِهِ ويتناول مِنْهُ
فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه يَوْمًا مَا المُرَاد بِهَذَا فَقَالَ الْأكل مَعَ الشَّهْوَة هُوَ الْمَنْدُوب إِلَيْهِ لحفظ الصِّحَّة فَإِن الْأَعْضَاء إِذا احْتَاجَت إِلَى تعويض مَا تحلل مِنْهَا استدعت ذَلِك من الْمعدة فتستدعيه الْمعدة من خَارج
فَقَالَ لَهُ وَمَا ثَمَرَة هَذَا قَالَ أَن يعِيش الْإِنْسَان الْعُمر الطبيعي
فَقَالَ لَهُ إِنَّك قد بلغت من السن مَا لم يبْق بَيْنك وَبَين الْعُمر الطبيعي إِلَّا الْقَلِيل فَأَي الْحَاجة إِلَى هَذَا التَّكَلُّف فَقَالَ لَهُ لأبقى ذَلِك الْقَلِيل فَوق الأَرْض استنشق الْهَوَاء وأجرع المَاء وَلَا أكون تحتهَا بِسوء التَّدْبِير
وَلم يزل على حَالَته تِلْكَ إِلَى أَن أَتَاهُ أَجله
أَقُول وَمِمَّا يُنَاسب هَذَا الْمَعْنى الْمُتَقَدّم فِي أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يُؤْكَل الطَّعَام إِلَّا بِشَهْوَة صَادِقَة للْأَكْل أنني كنت يَوْمًا أَقرَأ عَلَيْهِ فِي شَيْء من كَلَام الرَّازِيّ فِي تَرْتِيب تنَاول الأغذية وَقد ذكر الرَّازِيّ أَن الْإِنْسَان يَنْبَغِي لَهُ أَن يَأْكُل فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ
وَفِي الْيَوْم الثَّانِي مرّة وَاحِدَة
فَقَالَ لي لَا تسمع هَذَا وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن تعتمد عَلَيْهِ أَنَّك تَأْكُل وَقت تكون الشَّهْوَة للْأَكْل صَادِقَة فِي أَي وَقت كَانَ سَوَاء أَكَانَ مرَّتَيْنِ فِي النَّهَار أَو مرّة أَو ليل أَو نَهَار
فالأكل عِنْد الشَّهْوَة الصادقة للْأَكْل هُوَ الَّذِي ينفع وَإِذا لم يكن كَذَلِك فَإِنَّهُ مضرَّة الْبدن
وَصدق فِي قَوْله
وَقد لزم فِي سَائِر أَيَّامه أَشْيَاء لَا يخل بهَا وَذَلِكَ أَنه كَانَ يَجْعَل يَوْم السبت أبدا لِخُرُوجِهِ إِلَى الْبُسْتَان وراحته فِيهِ ويتركه يَوْم بطالة عَن الِاشْتِغَال
وَكَانَ لَا يدْخل الْحمام إِلَّا فِي يَوْم الْخَمِيس وَقد جعل ذَلِك لَهُ راتبا
وَكَانَ فِي يَوْم الْجُمُعَة يقْصد من يُرِيد رُؤْيَته وزيارته من الْأَعْيَان والكبراء
وَكَانَ أبدا يتوخى أَنه لَا يصعد فِي سلم
وَإِذا كَانَ لَهُ مَرِيض يفتقده إِن لم يكن فِي مَوضِع لَا يصعد إِلَيْهِ إِذا أَتَاهُ فِي سلم وَإِلَّا لم يقربهُ وَكَانَ يصف السّلم بِأَنَّهُ منشار الْعُمر
وَمن أعجب مَا حكى لأبي من ذَلِك أَنه قَالَ إِنَّنِي مُنْذُ اشْتريت هَذِه القاعة الَّتِي أَنا سَاكن فِيهَا أَكثر من خمس وَعشْرين سنة مَا أعرف إِنَّنِي طلعت إِلَى الْحُجْرَة الَّتِي فَوْقهَا إِلَّا وَقت اسْتعْرضت الدَّار واشتريتها
وَمَا عدت طلعت إِلَى الْحُجْرَة بعد ذَلِك إِلَى يومي هَذَا
وَمن نوادره وَحسن تَصَرُّفَاته فِيمَا يتَعَلَّق بصناعة الطِّبّ حَدثنِي الصاحب صفي الدّين إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق وَزِير الْملك الْأَشْرَف بن الْملك الْعَادِل وَقد حكى جملا من مَنَاقِب الشَّيْخ رَضِي الدّين فَمن ذَلِك قَالَ أَن الصاحب صفي الدّين بن شكر وَزِير الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب كَانَ أبدا يلازم

اسم الکتاب : عيون الانباء في طبقات الاطباء المؤلف : ابن أبي أصيبعة    الجزء : 1  صفحة : 674
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست