responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تحفه الطالبين في ترجمه الإمام النووي المؤلف : ابن العطار    الجزء : 1  صفحة : 28
وإمام المسلمين في هذا العصر هو السلطان وفقه الله تعالى لطاعته وتولاه بكرامته، وقد شاع بين الخواص والعوام أن السلطان كثير الاعتناء بالشرع ويحافظ على العمل به، وانه بنى المدرسة لطوائف العلماء ورتب القضاة من المذاهب الأربعة، وأمر بالجلوس في دار العدل لإقامة الشرع وغير ذلك مما هو معروف من اعتناء السلطان أعز الله أنصاره بالشرع، وأنه إذا طلب منه العمل بالشرع أمر بذلك ولم يخالفه.
فلما افترى هذا القائل في أمر البساتين ما افتراه، ودلس على السلطان وأظهر أن انتزاعها جائز عند بعض العلماء وغش السلطان في ذلك، وبلغ ذلك علماء البلد فوجب عليهم نصيحة الدين والسلطان وعامة المسلمين، فوفقهم الله تعالى للأتفاق على كتب كتاب يتضمن ما ذكرته على جهة النصيحة للدين والسلطان والمسلمين. وذكر بقية الكتاب وأنا اختصرته - ولم يذكروا فيه أحداً بعينه بل قالوا: من زعم جواز انتزاعها فقد كذب، وكتب علماء المذاهب الأربعة خطوطهم بذلك لما يجب عليهم من النصيحة المذكورة، واتفقوا على تبليغها ولى الأمر أدام الله أيامه، يوجب عليهم أن ينصحوا ويبينوا حكم الشرع، ثم بلغني عن جماعات متكاثرات في أوقات مختلفات حصل لى العلم بقولهم، إنك كرهت سعيهم في ذلك، وشرعت في ذم فاعل ذلك، واشتد معظم ذلك كله إلى، ويا حبذا ذلك من صنيع وبلغني عنك هؤلاء الجماعات إنك قلت: قولوا ليحيى هذا الذي سعى في هذا فينكف عنه وإلا أخذت منه دار الحديث، وبلغني هؤلاء الجماعات: انك حلفت مرات بالطلاق الثلاث إنك ما تكلمت في انتزاع هذه البساتين، وانك تشتهى إطلاقها، فيا ظالم نفسه؛ أما تستحي من هذا الكلام المتناقض وكيف يصح الجمع بين شهوتك، وإطلاقها وانك لم تتكلم فيها، وبين كراهيتك السعي في إطلاقها ونصيحة السطلان والمسلمين، وياظلم نفسه؛ هل تعرض لك أحد بمكروه أو تكلم فيك بغيبة؛ وإنما قال العلماء: من قال هذا السلطان فقد كذب ودلس عليه وغشه ولم ينصحه؛ فإن السلطان ما يفعل هذا إلا لإعتقاده أنه حلال عند بعض العلماء؛ فبينوا أنه حرام عند جميعهم، وإنك قد قلت إنك لم تتكلم فيها وحلفت على هذا بالطلاق الثلاث فأي ضرر عليك في إبطال قول كاذب على الشرع، غاش مدلس على السلطان؟ وقد قلت أنه غيرك؛ وكيف تكره السعي على شيء قد أجمع الناس على استحسانه. بل هو واجب على من قدر عليه، وأنا بحمد الله من القادرين عليه بالطريق الذي سلكت، وأما نجاحه فهو إلى الله تعالى مقلب القلوب والأبصار، ثم أني أتعجب غاية التعجب من اتخاذك إياي خصما، يا حبذا ذلك من اتخاذ، فأني بحمد الله تعالى أحب في الله وأبغض فيه، فأحب من أطاعه وأبغض من خالفه، وإذا أخبرت عن نفسك بكراهيتك السعي في مصلحة المسلمين ونصيحة السلطان فقد دخلت في جملة المخالفين، وصرت من نبغضه لله رب العالمين؛ فان ذلك من الإيمان كما جاءت به الآثار الصحيحة المنقولة بأسانيد الأئمة الأخيار.
أرض لمن غاب عنك غيبته، فذاك ذنب عقابه فيه، وياظالم نفسه، أنا ما خاصمتك أو كلمتك أو ذكرتك أو بيني وبينك مخاصمة أو منازعة أو معاملة في شيء فما بالك تكره فعل خير يسرني الله الكريم له: (وَمَا نَقَمواُ مِنْهُمْ إلاً أنْ يؤْمِنُوا بِالله العزِيز الحميد) بل أنت لسوء نظرك لنفَسك، تنادي على نفسك، وتشهد الشهود بكراهية هذه النصيحة التي هي مصرحة بأنك أنت الذي تكلمت في هذه البساتين، وإن الطلاق عليك واقع، وما أبعد أن تكون شبيها بمن قال الله تعالى فيهم: (وَلتَعْرِِفَنَهُمْ فِي لَحْنِ الْقَولِ والله يَعْلَمُ أعْمالكُمْ) .
وياعدو الله، وعدو نفسه، أتراني أتكره مصاداة من سلك طريقتك هذه، بل والله احيها وأوثرها وأفعلها بحمد الله تعالى فان الحب في الله والبغض فيه واجب علي وعليك وعلى جميع المكلفين.
ولست أدري أي غرض لك في حرصك على الإنكار على الساعين في إعظام حرمات الدين ونصيحة السلطان والمسلمين؟ فياظالم نفسه، انته عن هذا، وارجع عن طريقة المباهتين والمعاندين.
اسم الکتاب : تحفه الطالبين في ترجمه الإمام النووي المؤلف : ابن العطار    الجزء : 1  صفحة : 28
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست