responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطبقات الكبري للشعراني لوافح الانوار في طبقات الاخيار المؤلف : الشَّعْراني، عبد الوهاب    الجزء : 1  صفحة : 4
والأصفياء، وبيان أنها لا تكون مذمومة، إلا إن خالفت صريح القرآن أو السنة أو الإجماع لا غير، وأما إذا لم تخالف، فغاية الكلام أنه فهم أوتيه رجل مسلم فمن شاء فليعمل به، ومن شاء تركه ونظير الفهم في ذلك الأفعال وما بقي باب للإنكار، إلا سوء الظن بهم وحملهم على الرياء، وذلك لا يجوز شرعاً. ثم اعلم يا أخي رحمك الله أن علم التصوف، عبارة عن علم انقدح في قلوب الأولياء حين استنارت بالعمل بالكتاب والسنة فكل من علم بهما انقدح له من ذلك علوم، وأدب، وأشرار، وحقائق تعجز الألسن عنها، نظير ما انقدح لعلماء الشريعة من الأحكام، حين عملوا بما عملوه من أحكامهم، فالتصوف إنما هو زبدة عمل العبد بأحكام الشريعة، إذا خلا عمله من العلل وحظوظ النفس، كما أن علم المعاني والبيان زبدة علم النحو، فمن جعل علم التصوف علماً مستقلاً صدق، ومن جعله من عين أحكام الشريعة صدق، كما أن من جعل علم المعاني والبيان علماً مستقلاً، فقد صدق، ومن جعله من جملة علم النحو فقد صدق، لكنه لا يشرف على ذوق أن علم التصوف تفرع من عين الشريعة، لا من تبحر في علم الشريعة حتى بلغ إلى الغاية، ثم إن العبد إذا دخل طريق القوم، وتبحر فيها أعطاه الله هناك قوة الاستنباط نظير الأحكام الظاهرة على حد سواء، فيستنبط في الطريق واجبات، ومندوبات، وآداباً ومحرمات ومكروهات، وخلاف الأولى نظير ما فعله المجتهدون، وليس إيجاب مجتهد باجتهاده شيئاً لم تصرح الشريعة بوجوبه، أولى من إيجاب ولي الله تعالى حكماً في الطريق، لم تصرح الشريعة بوجوبه كما صرح بذلك اليافعي وغيره.
وإيضاح ذلك: أنهم كلهم عدول في الشرع، اختارهم الله عز وجل لدينه، فمن دقق النظر علم أنه لا يخرج شيء من علوم أهل الله تعالى عن الشريعة، وكيف تخرج علومهم عن الشريعة والشريعة هي وصلتهم إلى الله عز وجل في كل لحظة، ولكن أصل استغراب من لا له إلمام بأهل الطريق أن علم التصوف من عين الشريعة، كونه لم يتبحر في علم الشريعة، ولذلك قال الجنيد رحمه الله تعالى: علمنا هذا مشيد بالكتاب، والسنة رداً على من توهم خروجه عنهما في ذلك الزمان، أو غيره، وقد أجمع القوم على أنه لا يصلح للتصدر في طريق الله عز وجل إلا من تبحر في علم الشريعة، وعلم منطوقها ومفهومها وخاصها وعامها وناسخها ومنسوخها.
وتبحر في لغة العرب حتى عرف مجازاتها واستعارتها، وغير ذلك فكل صوفي فقيه ولا عكس. وبالجلمة فما أنكر أحوال الصوفية إلا من جهل حالهم، وقال القشيري لم يكن عصر في مدة الإسلام، وفيه شيخ من هذه الطائفة إلا وأئمة ذلك الوقت من العلماء قد استسلموا لذلك الشيخ، وتواضعوا له، وتبركوا به ولولا مزية وخصوصية للقوم لكان الأمر بالعكس انتهى.
قلت: ويكفينا للقوم مدحاً إذعان الإمام الشافعي رضي الله عنه، لشيبان الراعي حين طلب الإمام أحمد بن حنبل أن يسأله عمن نسي صلاة لا يدري أي صلاة هي، وإذعان الإمام أحمد بن حنبل لشيبان كذلك حين قال شيبان: هذا رجل غفل عن الله عز وجل فجزاؤه أن يؤدب.
وكذلك يكفينا إذعان الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه لأبي حمزة البغدادي الصوفي رضي الله عنه، واعتقاده حين كان يرسل له دقائق المسائل ويقول: ما تقول في هذا يا صوفي كما سيأتي بيان ذلك في ترجمة أبي حمزة رضي الله عنه، فشيء يقف في فهمه الإمام أحمد ويعرفه أبو حمزة غاية المنقبة للقوم، كذلك يكفينا إذعان أبي العباس بن سريج للجنيد حين حضره وقال: لا أدري ما يقول ولكن لكلامه صولة ليست بصولة مبطل، وكذلك إذعان الإمام أبي عمران للشبلي حين امتحنه في مسائل من الحيض، وفاده سبع مقالات لم تكن عند أبي عمران، وحكى الشيخ قطيب الدين بن أيمن رضي الله عنه أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه كان يحث ولده على الاجتماع بصوفية زمانه، ويقول: إنهم بلغوا في الإخلاص مقاماً لم تبلغه؛ وقد أشبع القول في مدح القوم، وطريقهم الإمام القشيري في رسالته والإمام عبد الله بن أسعد اليافعي في روض الرياحين، وغيرهما من أهل الطريق، وكتبهم كلها طافحة بذلك، وقد كان الإمام أبو تراب النخشبي أحد رجال الطريق رضي الله عنه يقول: إذا ألف العبد الإعراض عن الله تعالى صحبته الوقيعة في أولياء الله.
قلت: وسمعت شيخي ومولاي أبا يحيى زكريا الأنصاري شيخ الإسلام يقول: إذا لم يكن للفقيه علم بأحوال القوم، واصطلاحاتهم، فهو فقيه جاف وكنت أسمعه
اسم الکتاب : الطبقات الكبري للشعراني لوافح الانوار في طبقات الاخيار المؤلف : الشَّعْراني، عبد الوهاب    الجزء : 1  صفحة : 4
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست