responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطبقات السنيه في تراجم الحنفيه المؤلف : الغزي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 80
وكان تام العلم باللغة، حسن القيام بالنحو على مذهب الكوفيين، وله في كتاب ألفه.
وكان واسع الحفظ للشعر القديم والمحدث، والأخبار الطوال والسير، والتفسير.
وكان شاعراً، كثير الشعر جداً، خطيباً، حسن الخطابة والتفوه بالكلام، لسناً، صالح الحظ من الترسل في الكتابة، والبلاغة في المخاطبة.
وكان ورعاً، متخشعاً في الحكم.
وتقلد القضاء بالأنبار، وهيت وطريق الفرات، من قبل الموفق بالله الناصر لدين الله، في سنة ست وسبعين ومائتين، ثم تقلده للناصر دفعة أخرى، ثم تقلده للمعتضد، ثم تقلد بعض كور الجبل للمكتفي، في سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ولم يخرج إليها.
ثم قلده المقتدر بالله، في سنة ست وتسعين، بعد فتنة ابن المعتز، القضاء بمدينة المنصور، مدينة السلام، وطسوجى قطربل، ومسكن، وأنبار، وهيت، وطريق الفرات.
ثم أضاف له إلى ذلك بعد سنتين القضاء بكور الأهواز مجموعة، لما مات قاضيها إذ ذاك محمد بن خلف، المعروف بوكيع، فما زال على هذه الأعمال، إلى أن صرف عنها، في سنة سبع عشرة وثلاثمائة.
وروى " سبط " ابن الجوزي في " مرآة الزمان " بسندهِ عن أبي الحسن علي بن محمد ابن أبي جعفر بن البهلول، قال: طلبت السيدة أم المقتدر من جدي كتاب وقف بضيعة كانت ابتاعتها، وكان الكتاب في ديوان القضاء، وأرادت أخذه لتحرقه، وتتملك الوقف، ولم يعلم أحد بذلك، فحمله على الدار، وقال للقهرمانة: قد أحضرت الكتاب، فأين ترسم؟ فقالوا: نريد أن يكون عندنا.
فأحس بالأمر، فقال لأم موسى القهرمانة: تقولين لأم المقتدر السيدة، اتقي الله، هذا والله ما لا سبيل إليه أبداً، أنا خازن المسلمين على ديوان الحكم؛ فإن مكنتموني من خزنه كما يجب، وإلا فاصرفوني، وتسلموا الديوان دفعة واحدة، فاعملوا فيه ما شئتم، وأما أن يفعل شيءٌ من هذا على يدي فوالله لا كان ذلك أبداً، ولو عرضت علي السيف.
ونهض والكتاب معه، وجاء إلى طيارة، وهو لا يشك في الصرف، فصعد إلى ابن الفرات، وحدثه بالحديث، فقال: ألا دافعت عن الجواب، وعرفتني حتى أكتب، وأملي في ذلك، والآن، أنت مصروف، فلا حيلة لي مع السيدة في أمرك.
قال: وأدت القهرمانة الرسالة إلى السيدة، فشكت إلى المقتدر، فلما كان يوم الموكب خاطبه المقتدر شفاهاً في ذلك، فكشف له الصورة، وقال له مثل ذلك القول والاستعفاء.
فقال له المقتدر: مثلك يا أحمد من قلد القضاء، أقم على ما أنت عليه، بارك الله فيك، ولا تخف أن ينثلم محلك عندنا.
قال: فلما عاودت السيدة، قال لها المقتدر: الأحكام ما لا طريق إلى اللعب بها، وابن البهلول مأمون علينا، محب لدولتنا، ولو كان هذا شيئاً يجوز لما منعك إياه.
فقال السيدة: كأن هذا لا يجوز!.
فقيل لها: لا، هذه حيلة من أرباب الوقف على بيعه. وأعلمها كاتبها ابن عبد الحميد شرح الأمر، وأن الشراء لا يصح بتمزيق الكتاب، وأن هذا لا يحل، فارتجعت المال وفسخت الشراء وعادت تشكر جدي، وانقلب ذلك أمراً جميلاً عندهم، فقال جدي بعد ذلك: من قدم أمر الله على أمر المخلوق كفاه الله شرهم.

وحدث القاضي أبو نصر يوسف بن عمر القاضي أبي عمر محمد بن يوسف، قال: كنت أحضر دار المقتدر، وأنا غلام حدث بالسواد، مع أبي أبى الحسين، وهو يومئذ يخلف أباه أبا عمر، وكنت أرى في بعض المواكب أبا جعفر القاضي يحضر بالسواد، فإذا رآه أبي عدل إلى موضعه، فجلس عنده، فيتذاكران بالشعر والأدب والعلم، حتى يجتمع عليهما من الخدم عدد كبير، كما يجتمع على القصاص، استحساناً لما يجري بينهما؛ فسمعته يوماً قد أنشد بيتاً، لا أذكره الآن، فقال له أبي: أيها القاضي، إني أحفظ هذا البيت بخلاف هذه الرواية.
فصاح عليه أبو جعفر صيحة عظيمة، وقال، اسكت ألي تقول هذا، وأنا أحفظ لنفسي من شعري خمسة عشر ألف بيت، وأحفظ للناس أضعاف ذلك وأضعافها. يكررها مراراً.
وحدث القاضي أبو طالب محمد بن القاضي أبى جعفر بن البهلول، قال: كنت مع أبي في جنازة بعض أهل بغداد من الوجوه، وإلى جانبه جالس أبو جعفر الطبري، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة، ويسليه، وينشده أشعاراً، ويروي له أخباراً، فداخله الطبري في ذلك، ثم اتسع الأمر بينهما في المذاكرة، وخرجا إلى فنون كثيرة من الأدب، والعلم، استحسنها الحاضرون، وعجبوا منها، وتعالى النهار، وافترقنا.

اسم الکتاب : الطبقات السنيه في تراجم الحنفيه المؤلف : الغزي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 80
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست