اسم الکتاب : الإصابة في تمييز الصحابة المؤلف : العسقلاني، ابن حجر الجزء : 1 صفحة : 26
و قال العلّامة المرعشيّ في «نشر الطّوالع»:
«يجب تعظيم جميع أصحاب النّبي (صلى اللَّه عليه و سلّم) و الكفّ عن مطاعنهم، و حسن الظّنّ بهم، و ترك التّعصّب و البغض لأجل بعضهم على بعض، و ترك الإفراط في محبّة بعضهم على وجه يفضي إلى عداوة آخرين منهم و القدح فيهم، فإن اللَّه تعالى أثنى عليهم في مواضع كثيرة منها قوله تعالى:
و قد أحبّهم النّبي (صلى اللَّه عليه و سلّم) و أثنى عليهم و أوصى أمّته بعدم سبّهم و بغضهم و أذاهم، و ما ورد من المطاعن، فعلى تقدير صحته له محامل و تأويلات، و مع ذلك لا يعادل ما ورد في مناقبهم، و حكي عن آثارهم المرضية و سيرهم الحميدة نفعنا اللَّه بمحبّتهم أجمعين [2].
قال: الإمام النّوويّ- (رحمه اللَّه) تعالى:
و اعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدّة اشتباهها اختلف اجتهادهم و صاروا ثلاثة أقسام: قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحقّ في هذا الطرف، و أن مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته و قتال الباغي عليه فيما اعتقدوه فعلوا ذلك، و لم يكن يحل لمن هذه صفته التأخّر عن مساعدة الإمام العدل في قتال البغاة.
و قسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطّرف الآخر، فوجب عليهم مساعدته و قتال الباغي عليه.
و قسم ثالث اشتبهت عليهم القضية و تحيّروا فيها و لم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين، و كان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك، و لو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين و أن الحق معه لما جاز لهم التأخّر عن نصرته في قتال البغاة عليه.
فكلهم معذورون- رضي اللَّه عنهم- و لهذا اتّفق أهل الحق و من يعتدّ به في الإجماع على قبول شهاداتهم و رواياتهم و كمال عدالتهم رضي اللَّه عنهم أجمعين.