اسم الکتاب : الإصابة في تمييز الصحابة المؤلف : العسقلاني، ابن حجر الجزء : 1 صفحة : 16
ثانيها: أن عبد الرّحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي (صلى اللَّه عليه و سلّم) فدعا له، و هذا أيضا يوجد منه الكثير.
ثالثها: أنه لم يبق بالمدينة و لا بمكّة و لا الطّائف و لا من بينها من الأعراف إلا من أسلم و شهد حجّة الوداع، فمن كان في ذلك الوقت موجودا اندرج فيهم، لحصول رؤيتهم للنبيّ (صلى اللَّه عليه و سلّم) و إن لم يرهم هو.
قال الذّهبيّ في «الميزان» في ترجمة «رتن» 2/ 45 «و ما أدراك ما رتن؟! شيخ دجّال بلا ريب، ظهر بعد السّتمائة فادّعى الصّحبة، و الصّحابة لا يكذبون و هذا جريء على اللَّه و رسوله، و قد ألّفت في أمره جزءا».
حكمة اللَّه في اختيار الصّحابة
الواقع أنّ العقل المجرّد من الهوى و التعصّب، يحيل على اللَّه في حكمته و رحمته، أن يختار لحمل شريعته الختاميّة أمة مغموزة أو طائفة ملموزة تعالى اللَّه عن ذلك علوّا كبيرا، و من هنا كان توثيق هذه الطّبقة الكريمة طبقة الصّحابة، يعتبر دفاعا عن الكتاب و السّنّة و أصول الإسلام من ناحية، و يعتبر إنصافا أدبيّا لمن يستحقونه من ناحية ثانية، و يعتبر تقديرا لحكمة اللَّه البالغة في اختيارهم لهذه المهمّة العظمى من ناحية ثالثة، كما أن توهينهم و النيل منهم يعدّ غمزا في هذا الاختيار الحكيم، و لمزا في ذلك الاصطفاء و التّكريم فوق ما فيه من هدم الكتاب و السنّة و الدّين.
على أن المتصفّح لتاريخ الأمّة العربية و طبائعها و مميزاتها يرى من سلامة عنصرها و صفاء جوهرها، و سمو مميزاتها، ما يجعله يحكم مطمئنّا بأنّها صارت خير أمّة أخرجت للنّاس بعد أن صهرها الإسلام، و طهرها القرآن و نفى خبثها سيّد الأنام، عليه الصّلاة و السّلام.
و لكن الإسلام قد ابتلي حديثا بمثل أو بأشدّ ممّا ابتلي به قديما، فانطلقت ألسنة في هذا العصر ترجف في كتاب اللَّه بغير علم، و تخوض في السّنة بغير دليل، و تطعن في الصّحابة دون استحياء، و تنال من حفظة الشريعة بلا حجّة، و تتهمهم تارة بسوء الحفظ، و أخرى بالتزيد و عدم التثبت، و قد زوّدناك، و سلّحناك، فانزل في الميدان و لا تخش عداك.