قد كان أوّل شاغل قلبي هوى* * * و بهونه فالصّبر عدّى آخره
[الطويل]:
شهاب المعالي بينما هو طالع* * * فعاجلنا فيه القضا و القوارع
إلى اللَّه إنّا راجعون و حسبنا* * * و نعم الوكيل اللَّه فيما نواقع
فقد أورث الآفاق حزنا و ذلّة* * * و أظلمت الأكوان ثمّ المطالع
و أطلق دمع العين تجري سحائبا* * * و أجرى عيون السّحب فهي هوامع
و صيّر طرفي لا يملّ من البكا* * * و أحرق قلبا بالجوانح هالع
و فرّق جمع الشّمل من بعد إلفه* * * و ألّف درّ الدمع في الخدّ لامع
فوجدي و صبري في الرّثاء بيانيا* * * فوجدي موجود و صبري ضائع
فصبرا لما قد كان في سابق القضا* * * فليس لمقدور المنيّة دافع
و طلّقت نومي و التّلذّذ و الهنا* * * و ألزمت نفسي أنّني لا أراجع
و صاحب سهدي و التّأسّف و الأسى* * * فواصلتها لمّا جفتني المضاجع
و إنّي غريب لو أقمت بمنزلي* * * و إنّي وحيد لا معين أراجع
فلهفي على شيخ الحديث و عصره* * * فمجلسه للعلم و الفضل جامع
فلهفي على تلك المجالس بعده* * * لفقد أولي التّحقيق قفر بلاقع
فلهفي على جدّي و شيخي و قدوتي* * * و شيخ شيوخ العصر إذ لا منازع
فأوقاته مقسومة في عبادة* * * و فضل لمحتاج ببرّ يتابع
فقد كان ظنّي أن تكون معاوني* * * على كلّ خير مثل ما قيل مانع
فعند إلهي قد جعلت وديعتي* * * كريم لديه لا يخيب الودائع
فرحب الفضا قد ضاق من بعد بعده* * * عليّ و فيه بحر فكري واسع
فيا موت، زر إنّ الحياة ذميمة* * * فمن بعد هذا الحبر إني راجع
إمام الهدى و العلم و الحلم و التّقى* * * و حافظ هذا الوقت للحقّ خاضع
ففي النّظم حسّان و في الجود حاتم* * * و في العلم ليث و هو في الثّبت نافع
عفيف السّجايا باسط اليد بالنّدا* * * جزيل العطايا ناسك متواضع
بزهد له قد كان يحكي ابن آدم* * * له ورع بالصّبر للنّفس قانع
فأيّامه صوم و في اللّيل هاجد* * * مقيل خشوع ساجد الرّأس راكع
فمنهاجه حاو لتنبيه غافل* * * و بهجته زانت كما الرّوض نافع
و فتح لباريه حواه فوائدا* * * يزيل التباسا فهو للشّكل رافع