اسم الکتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 9 صفحة : 127
و قال ثمامة بن أشرس: رفع محمد بن الليث رسالة إلى الرشيد يعظه فيها و يقول:
إن يحيى بن خالد لا يغني عنك من اللَّه شيئا، و قد جعلته فيما بينك و بين اللَّه، فكيف أنت إذا وقفت بين يدي اللَّه فسألك عما عملت في عباده و بلاده، فقلت: استكفيت يحيى أمور عبادك. أتراك تحتج بحجة يرضاها. مع كلام فيه توبيخ و تقريع، فدعى الرشيد يحيى و قد تقدم إليه خبر الرسالة،/ فقال: تعرف محمد بن الليث؟ قال: نعم.
قال: فأي الرجال هو؟ قال: متهم على الإسلام. فأمر به، فوضع في الحبس دهرا، فلما تنكّر الرشيد للبرامكة ذكره فأمر بإخراجه، فأحضر فقال له بعد مخاطبة طويلة: يا محمد، أ تحبني؟ قال: لا و اللَّه يا أمير المؤمنين. قال: تقول هذا!؟ قال: نعم، وضعت رجلي في الأكبال، و حلت بيني و بين العيال بلا ذنب أتيت، و لا حدث أحدثت [1]، سوى قول حاسد يكيد الإسلام و أهله، و يحبّ الإلحاد و أهله، فكيف أحبك؟ قال:
صدقت. و أمر بإطلاقه، ثم قال: يا محمد، أ تحبني؟ قال: لا و اللَّه يا أمير المؤمنين، و لكن قد ذهب ما في قلبي. فأمر أن يعطى مائة ألف درهم، فأحضرت فقال: يا محمد، أ تحبني؟ قال: أما الآن فنعم، قد أنعمت عليّ، و أحسنت إليّ. قال: انتقم اللَّه ممن ظلمك، و أخذ لك بحقك ممن بعثني عليك. قال: فقال الناس في البرامكة، فأكثروا، و كان ذلك أوّل ما ظهر من تغير [2] حالهم [3].
و قال محمد بن الفضل مولى سليمان بن أبي جعفر: دخل يحيى بن خالد بعد ذلك إلى الرشيد [4]، فقام الغلمان إليه فقال الرشيد لمسرور [الخادم] [5]: مر الغلمان أن لا يقوموا إليه إذا دخل. فدخل فلم يقم إليه أحد، فاربدّ لونه، و كان الغلمان و الحجاب بعد ذلك إذا رأوه أعرضوا عنه، فكان ربما استسقى الشربة فلا يسقونه [6].
/ و قال أبو محمد اليزيدي: من قال إن الرشيد قتل جعفر بن يحيى بغير سبب