اسم الکتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 8 صفحة : 69
السودان في بوق لهم، فكان كل أسود يسمعه فيؤم الصوت [1]، و ذلك في يوم الجمعة لسبع بقين من ذي الحجة، و عدوا على ابن الربيع و الناس في الجمعة، فأعجلوه عن الصلاة، و خرج حتى أتى السوق، فمرّ بمساكين خمسة و هم يسألون الناس، فحمل عليهم بمن معه فقتلوهم، و حمل عليه السودان، فهرب ابن الربيع إلى البقيع فرهقوه [2]، فنثر لهم دراهم فأشغلوا بها، و مضى لوجهه حتى نزل بطن نخلة، و وقع السودان في طعام لأبي جعفر من سويق و دقيق و زيت، فانتهبوه.
فخرج ابن أبي سبرة من السجن في حديدة، فخطب الناس و صلى بهم، و دعاهم إلى الطاعة، و قال ابن أبي سبرة لجماعة من سادات العبيد: و اللَّه لئن ثبتت علينا هذه الثلاثة [3] عند أمير المؤمنين بعد الفعلة الأولى إنه لاصطلام البلد و أهله، فاذهبوا إلى العبيد فكلموهم. فذهبوا إليهم فقالوا: مرحبا بكم يا موالينا، و اللّه ما قمنا إلا إبقاء لكم.
و أقبلوا بهم إلى المسجد، فردّوا ما انتهبوه، فرجع ابن الربيع، فقطع ايدي جماعة من السودان.
و كان سبب ذلك: أن أبا جعفر بنى- حين أفضي الأمر إليه- الهاشمية قبالة مدينة ابن هبيرة إلى جنب الكوفة، و بنى أبو جعفر أيضا مدينة بظهر الكوفة سمّاها: الرصافة.
فلما ثارت الروندية بأبي جعفر في مدينته التي يقال لها: الهاشمية كره سكناها لاضطراب من اضطرب عليه من الروندية، و لم يأمن على نفسه. فخرج يرتاد موضعا يتخذه مسكنا لنفسه و جنده، و يبني به مدينة، فانحدر إلى جرجرايا، ثم صار إلى بغداد، ثم مضى إلى الموصل، ثم عاد إلى بغداد فقال: هذا موضع صالح، و هذه دجلة ليس بيننا و بين 34/ أ الصين شيء، يأتينا فيها كل ما في البحر، و تأتينا الميرة من الجزيرة و أرمينية و ما حول ذلك، و هذه الفرات يجيء فيها كل شيء بالشام و الرّقة، و ضرب عسكره على الصراة، و خط المدينة، و وكل بكلّ ربع قائدا.