اسم الکتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 8 صفحة : 262
يريد المنصور عرضوا له بها و متّوا إليه بقراباتهم، و توسلوا [بأرحامهم] [1]. و سألوه إيصال رقاعهم إليه فاعتذر إليهم و سألهم أن يعفوه من ذلك فأبوا و ألحوا عليه، فقال: لست أكلم المنصور في حاجة لأحد، فإن أحببتم أن تودعوا رقاعكم كمي فافعلوا فقدموا رقاعهم في كمة، و مضى حتى دخل على المنصور و هو في القبة الخضراء مشرف على مدينة السلام و دجلة و الصراة و ما حولها من البساتين و المزارع فعاتبه، فنفح عن نفسه، ثم حادثة ساعة، فقال له المنصور: أما ترى حسن مستشرفنا هذا؟ قال: أرى يا أمير المؤمنين 118/ ب فبارك اللَّه لك فيما آتاك و هنأك بإتمام النعمة عليك فيما أعطاك، فما/ بنت العرب في دولة الإسلام و العجم في مدة الكفر مدينة أحصن و لا أحسن و لا أجمع للخصال المحمودة منها، و قد سمجتها [2] في عيني يا أمير المؤمنين خصلة، قال: [و] ما هي؟
قال: ليس [لي] [3] فيها ضيعة. فتبسم، ثم قال: فإنّي أحسنها في عينك بثلاث ضياع أقطعك في أكنافها فاغد على أمير المؤمنين يسجل لك بها، فقال: أنت و اللّه يا أمير المؤمنين سهل الموارد، كريم المصالح، فجعل اللَّه باقي عمرك أكثر من ماضيه، فلقد بررت فأفضلت [4]، و وصلت فأجزلت، و أنعمت فأسبغت فبدت الرقاع من كمه و هو يتشكر له، فأقبل يردهن في كمه و يقول: لترجعن خاسئات، فضحك- يعني الخليفة- و قال: بحق أمير المؤمنين عليك لما أخبرت [5] خبر هذه الرقاع، فأعلمه. فقال: أبيت يا ابن معلم الخير إلا كرما، فف للقوم بضمانك و ألقها عن كمك لننظر في حوائجهم، فطرحها بين يديه فتصفحها ثم دفعها إلى الربيع، ثم التفت إليه، فتمثل بقول امرئ القيس:
لسنا و إن أحسابنا كرمت * * * يوما على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا * * * تبني و نفعل مثل ما فعلوا
و قال: قد قضى أمير المؤمنين حوائجهم، فأمرهم بلقاء الربيع، قال محمد: