اسم الکتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 364
أن تكون أدخلت من حديث بعض الرواة المتأخرين استغفالا. و إما أن يكون القوم عرفوا/ حالها فرووها على وجه التعجب، فنسبت إليهم على سبيل التحقيق.
قال: و التخليد لا يكون لبشر لقول اللَّه عز و جل لنبيه محمد صلّى اللَّه عليه و سلم: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ[1].
و أهل الحديث يتفقون على أن حديث أنس منكر الإسناد، سقيم المتن، بين فيه أثر الصنعة، و أن الخضر لم يراسل نبينا و لم يلقه و لم يكن ممن عرض عليه ليلة الإسراء، و لم يدركه ذكر في عهده بالبقاء، و لو انه كان في عدد الأحياء حينئذ لما وسعه التخلف عن لقاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و سلم و الهجرة إليه.
قال: و ما أعجب إغراء أهل الضعف بذكر الخضر و إلياس، و المعنى منهم بذلك المنتسبون إلى رؤية الأبدال و مشاهدة الآيات.
قال: و قد أخبرني بعض أصحابنا أن إبراهيم الحربي بن إسحاق سئل عن تعمير الخضر فأنكر ذلك، و قال: هو متقادم الموت.
قال و روجع غيره في تعميره، و أن طائفة من أهل زماننا يرونه و يروون عنه، فقال: من أحال على غائب حي أو مفقود ميت لم ينتصف منه، و ما ألقى ذكر هذا بين الناس إلا الشيطان.
قال: فإن قيل: هذا هامة بن الهيم و زريب بن برثملا معمران، قيل: و من صحح لهما وجادة حتى يكون لهما تعمير، و لو أنهما معروفان لكان سبيلهما في التخليد سبيل سائر البشر، بل هذان حديثان دسا إلى مغفلين فرووهما بلا تفقد و لا تمييز.
فإن قيل: هذا هاروت و ماروت و إبليس باقون إلى يوم القيامة.
قيل: ليس هؤلاء بشرا، و لو كانوا بشرا لما نص القرآن على تخليدهم و لما أنكر ذلك مؤمن. و تخليد إبليس ثابت بقوله: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ[2].