responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الكامل في التاريخ المؤلف : ابن الأثير، عزالدین    الجزء : 2  صفحة : 369
وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَمِمَّنْ قَتَلَ الْهُرْمُزَانَ بِنَفْسِهِ مَجْزَأَةُ بْنُ ثَوْرٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ. وَخَرَجَ أَبُو سَبْرَةَ بِنَفْسِهِ فِي أَثَرِ الْمُنْهَزِمِينَ إِلَى السُّوسِ، وَنَزَلَ عَلَيْهَا وَمَعَهُ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ وَأَبُو مُوسَى، وَكَتَبُوا إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى بِرَدِّهِ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَهِيَ الْمَرَّةُ الثَّالِثَةُ، فَانْصَرَفَ إِلَيْهَا مِنْ عَلَى السُّوسِ.
وَسَارَ زِرُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُلَيْبٍ الْفُقَيْمِيُّ إِلَى جُنْدَيْسَابُورَ فَنَزَلَ عَلَيْهَا، وَهُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّرَ عُمَرُ عَلَى جُنْدِ الْبَصْرَةِ الْمُقْتَرِبَ، وَهُوَ الْأَسْوَدُ بْنُ رَبِيعَةَ أَحَدُ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ أَيْضًا، وَكَانَا مُهَاجِرَيْنِ، وَكَانَ الْأَسْوَدُ قَدْ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: جِئْتُ لِأَقْتَرِبَ إِلَى اللَّهِ بِصُحْبَتِكَ، فَسَمَّاهُ الْمُقْتَرِبَ.
وَأَرْسَلَ أَبُو سَبْرَةَ وَفْدًا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فِيهِمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَمَعَهُمُ الْهُرْمُزَانُ، فَقَدِمُوا بِهِ الْمَدِينَةَ وَأَلْبَسُوهُ كِسْوَتَهُ مِنَ الدِّيبَاجِ الَّذِي فِيهِ الذَّهَبُ وَتَاجَهُ، وَكَانَ مُكَلَّلًا بِالْيَاقُوتِ، وَحِلْيَتَهُ لِيَرَاهُ عُمَرُ وَالْمُسْلِمُونَ، فَطَلَبُوا عُمَرَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَسَأَلُوا عَنْهُ فَقِيلَ: جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ لِوَفْدٍ مِنَ الْكُوفَةِ، فَوَجَدُوهُ فِي الْمَسْجِدِ مُتَوَسِّدًا بُرْنُسَهُ، وَكَانَ قَدْ لَبِسَهُ لِلْوَفْدِ، فَلَمَّا قَامُوا عَنْهُ تَوَسَّدَهُ وَنَامَ، فَجَلَسُوا دُونَهُ وَهُوَ نَائِمٌ وَالدُّرَّةُ فِي يَدِهِ، فَقَالَ الْهُرْمُزَانُ: أَيْنَ عُمَرُ؟ قَالُوا: هُوَ ذَا. فَقَالَ: أَيْنَ حَرَسُهُ وَحُجَّابُهُ؟ قَالُوا: لَيْسَ لَهُ حَارِسٌ وَلَا حَاجِبٌ وَلَا كَاتِبٌ. قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا. قَالُوا: بَلْ يَعْمَلُ بِعَمَلِ الْأَنْبِيَاءِ.
فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ بِجَلَبَةِ النَّاسِ فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْهُرْمُزَانِ، فَقَالَ: الْهُرْمُزَانُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَلَّ بِالْإِسْلَامِ هَذَا وَغَيْرَهُ أَشْبَاهَهُ! فَأَمَرَ بِنَزْعِ مَا عَلَيْهِ، فَنَزَعُوهُ وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبًا صَفِيقًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا هُرْمُزَانُ، كَيْفَ رَأَيْتَ عَاقِبَةَ الْغَدْرِ وَعَاقِبَةَ أَمْرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: يَا عُمَرُ، إِنَّا وَإِيَّاكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ اللَّهُ قَدْ خَلَّى بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَغَلَبْنَاكُمْ، فَلَمَّا كَانَ الْآنَ مَعَكُمْ غَلَبْتُمُونَا. ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا حُجَّتُكَ وَمَا عُذْرُكَ فِي انْتِقَاضِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى؟ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ تَقْتُلَنِي قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَكَ. قَالَ: لَا تَخَفْ ذَلِكَ. وَاسْتَسْقَى مَاءً فَأُتِيَ بِهِ فِي قَدَحٍ غَلِيظٍ، فَقَالَ: لَوْ مِتُّ عَطَشًا لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَشْرَبَ فِي مِثْلِ هَذَا! فَأُتِيَ بِهِ فِي إِنَاءٍ يَرْضَاهُ، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أُقْتَلَ وَأَنَا أَشْرَبُ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ حَتَّى تَشْرَبَهُ. فَأَكْفَأَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعِيدُوا عَلَيْهِ وَلَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْعَطَشِ. فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِي الْمَاءِ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَأْمِنَ بِهِ. فَقَالَ عُمَرُ لَهُ: إِنِّي قَاتِلُكَ. فَقَالَ: قَدْ آمَنْتَنِي. فَقَالَ: كَذَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ: صَدَقَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ آمَنْتَهُ. قَالَ عُمَرُ: يَا أَنَسُ، أَنَا أُؤَمِّنُ قَاتِلَ مَجْزَأَةَ بْنِ ثَوْر وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ! وَاللَّهِ لَتَأْتِيَنَّ بِمَخْرَجٍ أَوْ لَأُعَاقِبَنَّكَ. قَالَ: قُلْتَ لَهُ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ حَتَّى تُخْبِرَنِي وَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ حَتَّى تَشْرَبَهُ. وَقَالَ لَهُ مَنْ حَوْلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عَلَى
اسم الکتاب : الكامل في التاريخ المؤلف : ابن الأثير، عزالدین    الجزء : 2  صفحة : 369
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست