responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البدايه والنهايه - ط احياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 8  صفحة : 377
فَكُلُّ امْرِئٍ حَاسٍ مِنَ الْمَوْتِ جُرْعَةً * وَإِنْ حاد عنها جهده وتهيباً
وقيل: أن عبد الله بن الزبير غسلته أمه أسماء بعد أن قطعت مفاصيله وحنطته وطيبته وَكَفَّنَتْهُ وَصَلَّتْ عَلَيْهِ وَحَمَلَتْهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَدَفَنَتْهُ بدار صفية بنت حيي، ثم إن هذه الدار زيدت فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فهو مدفون في المسجد مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وقد ذكر ذلك غير واحد فالله أعلم.
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دَمَ مَحَاجِمِهِ يُهَرِيقُهُ فَحَسَاهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا صَنَعْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بِالدَّمِ؟ قُلْتُ: جَعَلْتُهُ فِي مَكَانٍ ظَنَنْتُ أَنَّهُ خافٍ عَلَى النَّاس، قَالَ: فَلَعَلَّكَ شَرِبْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: وَمَنْ أَمَرَكَ أَنْ تَشْرَبَ الدَّمَ؟ وَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ، وَوَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ ".
وَدَخَلَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ مَرَّةً عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَائِمٌ فِي الدِّهْلِيزِ وَمَعَهُ طَسْتٌ يَشْرَبُ مِنْهُ، فَدَخَلَ سَلْمَانُ وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: " فَرَغْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ سَلْمَانُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَعْطَيْتَهُ غُسَالَةَ مَحَاجِمِي يُهَرِيقُ مَا فِيهَا، قَالَ سَلْمَانُ: شَرِبَهَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، قَالَ شَرِبْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ دَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوْفِي، فَقَالَ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ: وَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ، وَوَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ، لَا تَمَسُّكَ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ ".
وَلَمَّا بَعَثَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إِلَى ابْنِ الزُّبير ذَلِكَ الْقَيْدَ مِنْ ذَهَبٍ وَسِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ وَجَامِعَةً مِنْ فِضَّةٍ وَأَقْسَمَ لَتَأْتِيَنِّي فِيهَا، فَقَالُوا لَهُ: بِرَّ قَسَمَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: وَلَا أَلِينُ لِغَيْرِ الْحَقِّ أسأله * حتى تلين لِضِرْسِ الْمَاضِغِ الْحَجَرُ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ بِعِزٍّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ فِي ذُلٍّ، ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ وَأَظْهَرَ الْخِلَافَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ دَخَلَ عَلَى أُمِّهِ فَقَالَ: إِنَّ فِي الْمَوْتِ لَرَاحَةٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ قَدْ أَتَتْ عليها مائة سنة لم تسقط لَهَا سِنٌّ، وَلَمْ يَفْسُدْ لَهَا بَصَرٌ، فَقَالَتْ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَمُوتَ حَتَّى آتِيَ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْكَ، إِمَّا أَنْ تَمْلِكَ فَتَقَرَّ عَيْنِي، وَإِمَّا أَنْ تُقْتَلَ فَأَحْتَسِبَكَ، ثُمَّ خَرَجَ عَنْهَا وَهُوَ يَقُولُ: وَلَسْتُ بِمُبْتَاعِ الْحَيَاةِ بِسُبَّةٍ * وَلَا بمريق مِنْ خَشْيَةِ الْمَوْتِ سُلَّمَا [1]
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى آلِ الزُّبَيْرِ يَعِظُهُمْ وَيَقُولُ لِيُكِنَّ أَحَدُكُمْ سَيْفَهُ كما وَجْهَهُ فَيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ امْرَأَةٌ، والله ما بقيت زَحْفًا قَطُّ إِلَّا فِي الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ، وَمَا أَلِمْتُ جُرْحًا إِلَّا أَلَمَ الدَّوَاءِ، ثُمَّ حَمَلَ

[1] في الطبري 7 / 205: ولا مرتق من خشية الموت سلما.
وفي مروج الذهب 3 / 137: ولا أبتغي من رهبة الموت سلما.
والبيت للحصين بن الحمام من المفضلية.
(*)
اسم الکتاب : البدايه والنهايه - ط احياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 8  صفحة : 377
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست