responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البدايه والنهايه - ط احياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 8  صفحة : 192
فأعادها مرتين أو ثلاثاً حتى حفظتها وفهمت مَا أَرَادَ، فَخَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ فَرَدَدْتُهَا، وَلَزِمْتُ السُّكُوتَ، وَعَلِمْتُ أَنَّ الْبَلَاءَ قَدْ نَزَلَ، وَأَمَّا عَمَّتِي فَقَامْتَ حَاسِرَةً حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: وَاثُكْلَاهُ! ! لَيْتَ الْمَوْتَ أَعْدَمَنِي الْحَيَاةَ الْيَوْمَ، مَاتَتْ أُمِّي فَاطِمَةُ وَعَلِيٌّ أَبِي، وَحَسَنٌ أَخِي، يَا خَلِيفَةَ الْمَاضِي، وَثِمَالَ الْبَاقِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَقَالَ: يَا أُخيّة، لَا يُذْهِبَنَّ حِلْمُكِ الشَّيْطَانُ، فَقَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، اسْتُقْتِلْتَ؟ وَلَطَمَتْ وَجْهَهَا وَشَقَّتْ جَيْبَهَا وَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَقَامَ إِلَيْهَا فَصَبَّ عَلَى وَجْهِهَا الْمَاءَ وَقَالَ يا أُخيّه: اتق الله واصبري وَتَعَزِّي بِعَزَاءِ اللَّهِ، وَاعْلَمِي أَنَّ أَهْلَ
الْأَرْضِ يَمُوتُونَ، وَأَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ لَا يَبْقَوْنَ، وَأَنَّ كل شئ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ بقدرته، ويميتهم بقهره وعزته، ويعيدهم فيعبدونه وحده، وَهُوَ فَرْدٌ وَحْدَهُ، وَاعْلَمِي أَنَّ أَبِي خَيْرٌ مِنِّي، وَأُمِّي خَيْرٌ مِنِّي، وَأَخِي خَيْرٌ مِنِّي، ولي ولهم ولكل مسلم برسول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، ثم حرج عليها أن لا تَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذَا بَعْدَ مَهْلِكِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهَا فَرَدَّهَا إِلَى عِنْدِي، ثُمَّ خَرَجَ إلى أصحابه فأمرهم أن يدنوا بيوتهم بعضاً مِنْ بَعْضٍ حَتَّى تَدْخُلَ الْأَطْنَابُ بَعْضُهَا فِي بعض، وأن لا يجعلوا للعدو مخلصاً إليهم إلا من جهة واحدة، وَتَكُونُ الْبُيُوتُ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ، وَمِنْ وَرَائِهِمْ، وَبَاتَ الْحُسَيْنُ وَأَصْحَابُهُ طُولَ لَيْلِهِمْ يُصَلُّونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ وَيَدْعُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ، وَخُيُولُ حَرَسِ عَدُوِّهِمْ تَدُورُ مِنْ وَرَائِهِمْ، عَلَيْهَا عَزْرَةُ بْنُ قَيْسٍ [1] الْأَحْمَسِيُّ وَالْحُسَيْنُ يَقْرَأُ * (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ.
مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) * الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: 178] فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ تِلْكَ الْخَيْلِ الَّتِي كَانَتْ تَحْرُسُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: نَحْنُ وَرَبِّ الْكَعْبةِ الطَّيِّبُونَ مَيَّزَنَا الله منكم.
قال فعرفته فقلت لزيد [2] بن حضير: أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟ قَالَ: لَا! فَقُلْتُ هَذَا أبو حرب السبيعي عبيد الله بن شمير [3] - وَكَانَ مِضْحَاكًا بَطَّالًا - وَكَانَ شَرِيفًا شُجَاعًا فَاتِكًا، وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ قَيْسٍ رُبَّمَا حَبَسَهُ فِي خبائه.
فقال له يزيد بن حصين [2] : يَا فَاسِقُ مَتَى كُنْتَ مِنَ الطَّيِّبِينَ؟ فَقَالَ: من أنت ويلك؟ قال: أنا يزيد [2] بن حصين.
قال: إنا لله! هلكت والله عدو الله! عليَّ م يريد قَتْلَكَ؟ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا حَرْبٍ هل لك أن تتوب مِنْ ذُنُوبِكَ الْعِظَامِ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَحْنُ الطَّيِّبُونَ وَإِنَّكُمْ لَأَنْتُمُ الْخِبِيثُونَ.
قَالَ: نَعَمْ وَأَنَا عَلَى ذلك من الشاهدين.
قال: ويحك أفلا ينفعك مَعْرِفَتُكَ؟ قَالَ فَانْتَهَرَهُ عَزْرَةُ بْنُ قَيْسٍ أَمِيرُ السرية التي تحرسنا فانصرف عنا، قالوا: فَلَمَّا صَلَّى عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ الصُّبْحَ بِأَصْحَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ يَوْمَ السَّبْتِ - وَكَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ - انْتَصَبَ لِلْقِتَالِ، وَصَلَّى الْحُسَيْنُ أَيْضًا بِأَصْحَابِهِ وَهُمُ اثَنَانِ وَثَلَاثُونَ فَارِسًا وَأَرْبَعُونَ رَاجِلًا، ثُمَّ انصرف

[1] في ابن الاعثم: عروة بن قيس.
[2] كذا بالاصل، وفي الطبري 6 / 240 بريد بن حضير.
[3] في الطبري: عبد الله بن شهر.
(*)
اسم الکتاب : البدايه والنهايه - ط احياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 8  صفحة : 192
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست