responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البدايه والنهايه - ط احياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 7  صفحة : 74
يقطعون من نهرشير إلى المدائن.
فقال الناس لأبي مقرن: مَا قُلْتُ لَهُمْ: فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا أَدْرِي مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا أَنَّ عَلَيَّ سَكِينَةً وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ قَدْ أُنْطِقْتُ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَجَعَلَ النَّاسُ ينتابونه يسألونه عن ذلك، وكان فيمن سَأَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَجَاءَهُ سَعْدٌ إلى منزله فقال: يا أبا مقرن مَا قُلْتَ: فَوَاللَّهِ إِنَّهُمْ هُرَّابٌ.
فَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا قَالَ.
فَنَادَى سَعْدٌ فِي النَّاسِ وَنَهَدَ بِهِمْ إِلَى الْبَلَدِ وَالْمَجَانِيقُ تَضْرِبُ فِي الْبَلَدِ، فَنَادَى رَجُلٌ مِنَ الْبَلَدِ بِالْأَمَانِ فَآمَنَّاهُ، فَقَالَ وَاللَّهِ مَا بِالْبَلَدِ أَحَدٌ، فَتَسَوَّرَ النَّاسُ السُّورَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا أَحَدًا إِلَّا قَدْ هَرَبُوا إِلَى الْمَدَائِنِ.
وَذَلِكَ فِي شَهْرِ صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَسَأَلْنَا ذَلِكَ الرجل وأناساً من الأسارى فيها لاي شئ هَرَبُوا؟ قَالُوا بَعَثَ الْمَلِكُ إِلَيْكُمْ يَعْرِضُ عَلَيْكُمُ الصُّلْحَ فَأَجَابَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بينكم وبينه صلح أبداً حتى نأكل عسل أفريذين بِأُتْرُجِّ كُوثَى [1] .
فَقَالَ الْمَلِكُ: يَا وَيْلَاهُ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَتَكَلَّمُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، تَرُدُّ عَلَيْنَا وَتُجِيبُنَا عَنِ الْعَرَبِ.
ثُمَّ أَمَرَ النَّاس بِالرَّحِيلِ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْمَدَائِنِ فَجَازُوا فِي السُّفُنِ مِنْهَا إِلَيْهَا وَبَيْنَهُمَا دِجْلَةُ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْهَا جِدًّا، ولما دخل المسلمون نهرشير لَاحَ لَهُمُ الْقَصْرُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْمَدَائِنِ وَهُوَ قَصْرُ الْمَلِكِ الَّذِي ذَكَرَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَفْتَحُهُ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ، وَذَلِكَ قُرَيْبَ الصَّبَاحِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَآهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ أَبْيَضُ
كِسْرَى، هَذَا مَا وَعَدَنَا الله ورسوله.
ونظر الناس إليه فتتابعوا التكبير إلى الصبح.
ذكر فتح المدائن
لما فتح سعد نهرشير وَاسْتَقَرَّ بِهَا، وَذَلِكَ فِي صَفَرٍ [2] لَمْ يَجِدْ فِيهَا أَحَدًا وَلَا شَيْئًا مِمَّا يُغْنَمُ، بَلْ قَدْ تَحَوَّلُوا بِكَمَالِهِمْ إِلَى الْمَدَائِنِ وَرَكِبُوا السُّفُنَ وَضَمُّوا السُّفُنَ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَجِدْ سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْئًا مِنَ السُّفُنِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ تحصيل شئ مِنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ زَادَتْ دِجْلَةُ زِيَادَةً عَظِيمَةً وأسودَّ مَاؤُهَا، وَرَمَتْ بِالزَّبَدِ مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ بِهَا، وَأُخْبِرَ سَعْدٌ بِأَنَّ كِسْرَى يَزْدَجِرْدَ عَازِمٌ عَلَى أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَالْأَمْتِعَةِ مِنَ الْمَدَائِنِ إِلَى حُلْوَانَ، وَأَنَّكَ إِنْ لَمْ تُدْرِكْهُ قَبْلَ ثَلَاثٍ فَاتَ عَلَيْكَ وَتَفَارَطَ الْأَمْرُ.
فَخَطَبَ سَعْدٌ الْمُسْلِمِينَ عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ إِنَّ عَدُوَّكُمْ قَدِ اعْتَصَمَ مِنْكُمْ بِهَذَا البحر فلا تخلصون إليهم معه، وهم يخلصون إليكم إذا شاؤا فينا وشونكم في سفنهم، وليس وراءكم شئ تَخَافُونَ أَنْ تُؤْتَوْا مِنْهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ تُبَادِرُوا جِهَادَ الْعَدُوِّ بِنِيَّاتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَحْصُرَكُمُ [3] الدُّنْيَا، أَلَا إِنِّي قَدْ عَزَمْتُ عَلَى قَطْعِ هَذَا الْبَحْرِ إِلَيْهِمْ.
فَقَالُوا جَمِيعًا: عَزَمَ اللَّهُ لَنَا وَلَكَ عَلَى الرُّشْدِ فَافْعَلْ.
فَعِنْدَ ذَلِكَ نَدَبَ سَعْدٌ النَّاسَ إِلَى الْعُبُورِ وَيَقُولُ: مَنْ يبدأ فيحمي لنا الفراض - يعني ثغرة

[1] في فتوح الواقدي: أفريزونا نوح.
[2] في نسخ البداية المطبوعة: صفة وهو تحريف.
[3] في الكامل لابن الاثير: تحصدكم.
(*)
اسم الکتاب : البدايه والنهايه - ط احياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 7  صفحة : 74
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست