responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البدايه والنهايه - ط احياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 7  صفحة : 262
به، وأما مبايعتي قبل مجئ بَيْعَةِ الْأَمْصَارِ فَكَرِهْتُ أَنْ يَضِيعَ هَذَا الْأَمْرُ، وَأَمَّا أَنْ أَجْلِسَ وَقَدْ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إِلَى ما ذهبوا إليه.
فتريد مني أن يكون كالضبع التي يحاط بها، ويقال ليست ها هنا، حتى يشق عرقوبها فتخرج، فإذا لم أنضر فيما يلزمني في هَذَا الْأَمْرِ وَيَعْنِينِي، فَمَنْ يَنْظُرُ فِيهِ؟ فَكُفَّ عَنِّي يَا بُنَيَّ، وَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ خَبَرُ ما صنع القوم بالبصرة من الأمر الذي قدمنا كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ مَعَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ، إِنِّي قَدِ اخترتكم على أهل الأمصار، فرغبت إليكم وفزعت لِمَا حَدَثَ، فَكُونُوا لِدِينِ اللَّهِ أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا، [وأيدونا] وَانْهَضُوا إِلَيْنَا فَالْإِصْلَاحَ نُرِيدُ لِتَعُودَ هَذِهِ الْأُمَّةُ إِخْوَانًا [1] ، فَمَضَيَا، وَأَرْسَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَخَذَ مَا أَرَادَ مِنْ سِلَاحٍ وَدَوَابٍّ، وَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَعَزَّنَا بِالْإِسْلَامِ وَرَفَعَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا بِهِ إِخْوَانًا، بَعْدَ ذِلَّةٍ وَقِلَّةٍ وَتَبَاغُضٍ
وَتَبَاعُدٍ، فَجَرَى النَّاس عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، الْإِسْلَامُ دِينُهُمْ، وَالْحَقُّ قَائِمٌ بَيْنَهُمْ، وَالْكِتَابُ إِمَامُهُمْ، حَتَّى أُصِيبَ هَذَا الرَّجُلُ بِأَيْدِي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشَّيْطَانُ لِيَنْزِغَ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَلَا وَإِنَّ هذه الأمة لابد مُفْتَرِقَةٌ كَمَا افْتَرَقَتِ الْأُمَمُ قَبْلَهَا، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا هُوَ كَائِنٌ.
ثُمَّ عَادَ ثانية فقال: إنه لابد مِمَّا هُوَ كَائِنٌ أَنْ يَكُونَ، أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، شَرُّهَا فِرْقَةٌ تُحِبُّنِي وَلَا تَعْمَلُ بِعَمَلِي، وَقَدْ أدركتم ورأيتم، فالزموا دينكم، واهتدوا بهديي فإنه هدى نَبِيِّكُمْ، وَاتَّبِعُوا سُنَّتَهُ، وَأَعْرِضُوا عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ، حَتَّى تَعْرِضُوهُ عَلَى الْكِتَابِ، فَمَا عَرَّفَهُ الْقُرْآنُ فَالْزَمُوهُ، وَمَا أَنْكَرَهُ فَرُدُّوهُ، وَارْضَوْا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ حَكَمًا وَإِمَامًا.
قال فلما عزم على المسير من البربذة قام إليه ابن أبي رفاعة بْنِ رَافِعٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيَّ شئ تُرِيدُ؟ وَأَيْنَ تَذْهَبُ بِنَا؟ فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي نُرِيدُ وَنَنْوِي فَالْإِصْلَاحُ، إِنْ قَبِلُوا مِنَّا وَأَجَابُوا إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَدَعُهُمْ بِغَدْرِهِمْ وَنُعْطِيهِمُ الْحَقَّ وَنَصْبِرُ.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا؟ قَالَ: نَدَعُهُمْ مَا تَرَكُونَا، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُونَا؟ قَالَ: امْتَنَعْنَا مِنْهُمْ، قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا.
فَقَامَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ بْنُ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: لَأُرْضِيَنَّكَ بِالْفِعْلِ كَمَا أَرْضَيْتَنِي بِالْقَوْلِ، وَاللَّهِ لَيَنْصُرَنِّي اللَّهُ كَمَا سَمَّانَا أَنْصَارًا.
قَالَ: وأتت جماعة من طئ وعلي بالبربذة، فقيل له: هؤلاء جماعة جاؤوا من طئ مِنْهُمْ مَنْ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مَعَكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُرِيدُ السَّلَامَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: جَزَى اللَّهُ كُلًّا خَيْرًا * (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عظيما) * [النساء: 95] قالوا: فسار علي مِنَ الرَّبَذَةِ عَلَى تَعْبِئَتِهِ وَهُوَ رَاكِبٌ نَاقَةً حَمْرَاءَ يَقُودُ فَرَسًا كُمَيْتَا فَلَمَّا كَانَ بِفَيْدٍ [2] جاءه جماعة من أسد وطئ، فعرضوا أنفسهم عليه فقال: فيمن مَعِي كِفَايَةٌ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهُ عَامِرُ بْنُ مَطَرٍ الشَيْبَانِيُّ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا وَرَاءَكَ؟ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: إِنْ أَرَدْتَ الصُّلْحَ فَأَبُو مُوسَى صَاحِبُهُ، وَإِنْ أَرَدْتَ الْقِتَالَ فَلَيْسَ بِصَاحِبِهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ مَا أُرِيدُ إِلَّا الصُّلْحَ مِمَّنْ تَمَرَّدَ عَلَيْنَا.
وَسَارَ، فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنَ الْكُوفَةِ وَجَاءَهُ الْخَبَرُ بِمَا وَقَعَ مِنَ الأمر على جليته،

[1] زاد الطبري في كتابه: وَمَنْ أحب ذلك وآثره فقد أحب الحق وآثره ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحق وغمصه.
[2] فيد: بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة عامرة إلى الآن (معجم البلدان) .
(*)
اسم الکتاب : البدايه والنهايه - ط احياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 7  صفحة : 262
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست