responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البدايه والنهايه - ط احياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 7  صفحة : 192
عَلَيْهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا إِتْمَامُهُ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تَأَهَّلَ بِهَا وَنَوَى الْإِقَامَةَ فَأَتَمَّهَا، وَأَمَّا تَوْلِيَتُهُ الْأَحْدَاثَ فَلَمْ يُوَلِّ إِلَّا رَجُلًا سَوِيًّا عَدْلًا، وَقَدْ وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتَّابَ بْنَ أُسِيدٍ عَلَى مَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَوَلَّى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ.
وَطَعَنَ النَّاس فِي إِمَارَتِهِ فَقَالَ إِنَّهُ لخليق بالإمارة وَأَمَّا إِيثَارُهُ قَوْمَهُ بَنِي أُمَيَّةَ.
فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِرُ قُرَيْشًا عَلَى النَّاسِ، وَوَاللَّهِ لَوْ أَنَّ مِفْتَاحَ الْجَنَّةِ بِيَدِي لَأَدْخَلْتُ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَيْهَا.
وَيُقَالُ إِنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فِي عَمَّارٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَ عُثْمَانُ عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَقَامَ فِيهِمَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا.
وَعَتَبُوا عَلَيْهِ فِي إِيوَائِهِ الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ، وَقَدْ نَفَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ، فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم كَانَ قَدْ نَفَاهُ إِلَى الطَّائِفِ ثُمَّ رَدَّهُ، ثُمَّ نَفَاهُ إِلَيْهَا، قَالَ فَقَدْ نَفَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَدَّهُ، ورُوي أَنَّ عُثْمَانَ خَطَبَ النَّاسَ بِهَذَا كُلِّهِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَجَعَلَ يَسْتَشْهِدُ بِهِمْ فَيَشْهَدُونَ لَهُ فِيمَا فِيهِ شَهَادَةٌ لَهُ.
وَيُرْوَى أَنَّهُمْ بَعَثُوا طَائِفَةً من فَشَهِدُوا خُطْبَةَ عُثْمَانَ هَذِهِ، فَلَمَّا تَمَهَّدَتِ الْأَعْذَارُ وَانْزَاحَتْ عِلَلُهُمْ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شُبْهَةٌ، أَشَارَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى عُثْمَانَ بِتَأْدِيبِهِمْ فَصَفَحَ عنهم، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَرَدَّهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ فَرَجَعُوا خَائِبِينَ مِنْ حَيْثُ أَتَوْا، وَلَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمَّا كَانُوا أَمَّلُوا وَرَامُوا، وَرَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَخْبَرَهُ بِرُجُوعِهِمْ عَنْهُ، وَسَمَاعِهِمْ مِنْهُ، وَأَشَارَ عَلَى عُثْمَانَ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ خُطْبَةً يَعْتَذِرُ إِلَيْهِمْ فِيهَا مِمَّا كَانَ وَقَعَ مِنَ الْأَثَرَةِ لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ، وَيُشْهِدُهُمْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدْ تَابَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَابَ إِلَى الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ سِيرَةِ الشَّيْخَيْنِ قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَحِيدُ عَنْهَا، كَمَا كَانَ الْأَمْرُ أَوَّلًا فِي مُدَّةِ سِتِّ سِنِينَ الْأُوَلِ، فَاسْتَمَعَ عُثْمَانُ هَذِهِ النَّصِيحَةَ، وَقَابَلَهَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَخَطَبَ النَّاسَ، رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ تَائِبٍ مِمَّا كَانَ مِنِّي، وَأَرْسَلَ عَيْنَيْهِ بِالْبُكَاءِ فَبَكَى الْمُسْلِمُونَ أَجْمَعُونَ، وَحَصَلَ لِلنَّاسِ رِقَّةٌ شَدِيدَةٌ عَلَى إِمَامِهِمْ، وَأَشْهَدَ عُثْمَانُ النَّاسَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ قَدْ لَزِمَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَأَنَّهُ قَدْ سَبَّلَ بَابَهُ لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ، لَا يَمْنَعُ أحد مِنْ ذَلِكَ، وَنَزَلَ فصلَّى بالنَّاس ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَجَعَلَ مَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِحَاجَةٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ أَوْ سُؤَالٍ، لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةً.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ عَلِيًّا جَاءَ عُثْمَانَ بَعْدَ انْصِرَافِ المصريين فقال له: تكلم كلاماً تسمعه النَّاسُ مِنْكَ وَيَشْهَدُونَ عَلَيْكَ، وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِكَ مِنَ النُّزُوعِ وَالْإِنَابَةِ، فَإِنَّ الْبِلَادَ قَدْ تَمَخَّضَتْ عَلَيْكَ، وَلَا آمَنُ رِكْباً آخَرِينَ يَقْدَمُونَ مِنْ قِبَلِ الْكُوفَةِ، فَتَقُولُ يَا عَلِيُّ ارْكَبْ إِلَيْهِمْ، وَيَقْدَمُ آخَرُونَ مِنَ الْبَصْرَةِ فَتَقُولُ يَا عَلِيُّ ارْكَبْ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَطَعْتُ رَحِمَكَ وَاسْتَخْفَفْتُ بِحَقِّكَ.
قَالَ: فَخَرَجَ عُثْمَانُ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الَّتِي نَزَعَ فِيهَا، وَأَعْلَمَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ التَّوْبَةَ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَوَاللَّهِ مَا عَابَ مَنْ عَابَ شَيْئًا أَجْهَلُهُ، وَمَا جِئْتُ شَيْئًا إلا وأنا أعرفه، ولك ضَلَّ رُشْدِي [1] وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ زَلَّ فَلْيَتُبْ، ومن أخطأ فليتب،

[1] العبارة في الطبري والكامل: ولكني منتني نفسي وكذبتني وضل عني رشدي.
(*)
اسم الکتاب : البدايه والنهايه - ط احياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 7  صفحة : 192
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست