responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البدايه والنهايه - ط احياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 171
خَلِيلِهِ مَعَ هَذَا الْمَلِكِ الْجَبَّارِ الْمُتَمَرِّدِ الَّذِي ادَّعَى لِنَفْسِهِ الرُّبُوبِيَّةِ فَأَبْطَلَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَلِيلَهُ وَبَيَّنَ كَثْرَةَ جَهْلِهِ وَقِلَّةَ عَقْلِهِ وَأَلْجَمَهُ الْحُجَّةَ وَأَوْضَحَ لَهُ طَرِيقَ الْمَحَجَّةِ.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ النَّسب وَالْأَخْبَارِ وَهَذَا الْمَلِكُ هو ملك بابل واسمه النمرود ابن كَنْعَانَ بْنِ كُوشِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ نُمْرُودُ بْنُ فَالِحِ بن عابر بن صالح بن أرفخشذ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ وَكَانَ أَحَدَ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الدُّنْيَا فِيمَا ذَكَرُوا أَرْبَعَةٌ مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ.
فَالْمُؤْمِنَانِ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَسُلَيْمَانُ.
وَالْكَافِرَانِ النُّمْرُودُ وبُخْتُنَصَّرَ وَذَكَرُوا أن نمرود هَذَا اسْتَمَرَّ فِي مُلْكِهِ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ وَكَانَ قَدْ طَغَا وَبَغَا وَتَجَبَّرَ وَعَتَا وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَلَمَّا دَعَاهُ
إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ حَمَلَهُ الْجَهْلُ والضلال وطول الآمال عَلَى إِنْكَارِ الصَّانِعِ فحاجَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ فِي ذلك وادّعى لنفسه الربوبية.
فلما قال الخليل ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت.
قال قتادة والسدي ومحمد بن اسحق يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا أُتى بِالرَّجُلَيْنِ قَدْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُمَا فَإِذَا أَمَرَ بِقَتْلِ أَحَدِهِمَا وَعَفَا عَنِ الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ قَدْ أَحْيَا هَذَا وَأَمَاتَ الْآخَرَ.
وَهَذَا لَيْسَ بِمُعَارَضَةٍ لِلْخَلِيلِ بَلْ هُوَ كَلَامٌ خَارِجِيٌّ عَنْ مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ لَيْسَ بِمَنْعٍ وَلَا بِمُعَارَضَةٍ بَلْ هُوَ تَشْغِيبٌ مَحْضٌ وَهُوَ انْقِطَاعٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ الْخَلِيلَ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ بِحُدُوثِ هَذِهِ الْمُشَاهَدَاتِ مِنْ إِحْيَاءِ الْحَيَوَانَاتِ وموتها [هذا دليل] [1] عَلَى وُجُودِ فَاعِلِ ذَلِكَ الَّذِي لَا بدَّ من استنادها إلى وجوده ضرورة عدم قِيَامِهَا بِنَفْسِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ فَاعِلٍ لِهَذِهِ الْحَوَادِثِ الْمُشَاهَدَةِ مِنْ خَلْقِهَا وَتَسْخِيرِهَا وَتَسْيِيرِ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ وَالرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَخَلْقِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تُوجَدُ مُشَاهَدَةً ثُمَّ إِمَاتَتِهَا وَلِهَذَا (قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الذي يحي ويميت) فقول هذا الملك الجاهل أنا أحي وأميت إِنْ عَنَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ لِهَذِهِ الْمُشَاهَدَاتِ فَقَدْ كَابَرَ وَعَانَدَ وَإِنْ عَنَى مَا ذَكَرَهُ قَتَادَةُ والسدي ومحمد بن اسحق فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ الْخَلِيلِ إِذْ لَمْ يَمْنَعْ مُقَدِّمَةً وَلَا عَارَضَ الدَّلِيلَ.
وَلَمَّا كَانَ انْقِطَاعُ مُنَاظَرَةِ هَذَا الْمَلِكِ قَدْ تَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ حَضَرَهُ وَغَيْرِهِمْ ذَكَرَ دَلِيلًا آخَرَ بَيَّنَ وُجُودَ الصَّانِعِ وَبُطْلَانَ مَا ادَّعَاهُ النُّمْرُودُ وَانْقِطَاعَهُ جَهْرَةً (قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) أَيْ هَذِهِ الشَّمْسُ مُسَخَّرَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ مِنَ الْمَشْرِقِ كَمَا سَخَّرَهَا خَالِقُهَا وَمُسَيِّرُهَا وَقَاهِرُهَا.
وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شئ * فَإِنْ كُنْتَ كَمَا زَعَمْتَ مِنْ أَنَّكَ الَّذِي تحي وَتُمِيتُ فَأْتِ بِهَذِهِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ الذي يحي وَيُمِيتُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَا يُمَانَعُ وَلَا يُغَالَبُ بَلْ قَدْ قَهَرَ كُلَّ شئ ودان له كل شئ فَإِنْ كُنْتَ كَمَا تَزْعُمُ فَافْعَلْ هَذَا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْهُ فَلَسْتَ كَمَا زَعَمْتَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ وكل أحد إنك لا تقدر على شئ من هذا بل أنت أعجز وأقل

[1] زيادة اقتضاها السياق، ليستقيم بها المعنى.
[*]
اسم الکتاب : البدايه والنهايه - ط احياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 171
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست