responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : اثر الحروب الصليبيه في العالم العربي المؤلف : قاسم عبده قاسم    الجزء : 1  صفحة : 122
ففي أوربا كانت دعوة البابا أوربان الثاني Urban ll في كليرمون Clermont بجنوب فرنسا, في نوفمبر سنة 1095م، تطرح أمام المجتمع الأوربي الذي مزقته الانقسامات، وأضنته التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية في مرحلة نموه الإقطاعي، هدفًا عامًّا أمكن لهذا المجتمع أن يعبر عن نفسه من خلاله. أما في الشرق العربي الإسلامي فكانت الاستجابة للتحدي الذي فرضه الهجوم الصليبي غريبة ومثيرة حقًّا؛ إذ تقلبت ما بين الشلل والركود والتشرذم في مواجهة الجيوش والمستوطنين الصليبيين، وعدم إدراك حقيقة هذا الغزو، إلى المقاومة، ثم الهجوم المضاد منذ "زنكي" حتى صلاح الدين, وبعدها فترة أخرى من الرجوع والتقهقر حتى تمكنت سلطنة المماليك في مصر والشام من القضاء على الوجود الصليبي في أخريات القرن الثالث عشر.
كان استجابة العالم العربي الإسلاميّ تعبيرًا عن واقع حاله, فالحضارات لا تسقط بسبب هجوم خارجي قط، ولا بد أن تكون الأحوال الداخلية منهارة بالقدر الذي يمكِّنُ العدو الخارجي من تحقيق هدفه, وهذه المقولة تنسحب أيضًا على العالم العربي عشية الحروب الصليبية؛ إذ أن بداية هذه الأحداث وقعت في السنوات الأخيرة من القرن الحادي عشر الميلادي، وهو القرن الذي شهد من عدم استقرار المنطقة العربية سياسيًّا واقتصاديًّا ما كان من أهم عوامل نجاح الصليبيين في حملتهم الأولى. لقد كانت المنطقة موزعة بين عدة قوى سياسية متنافسة متخاصمة، وكانت الحروب التي جرت في العقد السابق على الحملة الصليبية بين إمارات حلب وشيزر وحماة وحمص ودمشق, وغيرها من إمارات شمال الشام، تمثِّلُ ميراثًا هائلًا من الحقد والمرارة والشك فيما بينها, حالت دون اتحادها في عمل مشترك ضد الصليبيين، على الرغم من خضوعها جميعًا للخلافة العباسية في بغداد, فضلًا عن أن الهوة الفاصلة بين هذه الإمارات الشمالية المتحاربة، والجنوبية الإسلامية، كانت عميقة؛ بحيث أعاقت العمل المشترك ردحًا من الزمان.
اسم الکتاب : اثر الحروب الصليبيه في العالم العربي المؤلف : قاسم عبده قاسم    الجزء : 1  صفحة : 122
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست