التحقيق ان الالفاظ موضوعة للمعانى الواقعية
تعلقت بها الارادة اولا , و لا دخل لها فيها لا شطرا و لا شرطا , و يتضح حالها
ببيان امرين :
الاول : ما اسمعناك فى صدر الكتاب من ان
حقيقة الوضع ليس الا تعيين اللفظ فى مقابل المعنى من دون حصول علاقة تكوينية و ما
ربما يقال من التعهد و الالتزام فى تفسيره , فهو تفسير له بالاثار و النتائج و قد
تقدم الكلام فيه فبطل ما يؤيد به القول الشاذ المخالف للتحقيق من ان الوضع فى
الالفاظ وضع حيثى , بمعنى انه لا يجعل اللفظ فى مقابل المعنى الا بحيث لو اطلقة
الواضع او غيره لكان مريدا لمعناه , و ذلك لما ترى من بنائه على القول المردود فى
باب الوضع من حديث التعهد و الالتزام فى تفسير معنى الوضع .
الثانى : قد قام البرهان فى محله على ان
الافعال الصادرة من ذوى العقول و الشعور معللة باغراض و غايات حتى فيما يراه العرف
عبثا و لغوا , كيف و العلة الغائية واقعة فى سلسلة العلل و تعد علة لفاعلية الفاعل
و انكانت تتأخر بوجودها العينى لكنها مؤثرة فى تحريك الفاعل بوجودها الذهنى و (
حينئذ ) فالمعلول بما انه رشحة من رشحات العلة , او مظهر ناقص لها , و لا استقلال
له الا مما اكتسبه من جانب علته فهو لا محالة يتضيق بضيقها و لا يمكن له ان يكون
اوسع منها , لكن لا على نحو التقييد بل تضيقا ذاتيا تابعا لاستعداده .