الآية. قال المفسر : الحَيَاءُ تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من تخوّف ما يعاب به ويذمّ
، فإن قيل : كيف جاز وصف الله سبحانه به ولا يجوز عليه التغير والخوف والذم ، وذلك
فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ : « إِنَّ اللهَ حَيِيٌ
كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الْعَبْدُ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا
صُفْراً حَتَّى يَضَعَ فِيهِمَا خَيْراً ».
قلت : هو جارٍ
على سبيل التمثيل ، كقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا
يَسْتَحْيِي ) أي لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يَسْتَحْيِي أن يمثِّل بها لحقارتها.
قوله تعالى : ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا
بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها )أصلالتَّحِيَّة
تَحْيِيَةٌ ويُعدَّى
بتضعيف العين ، قيل : وإنما قال : بِتَحِيَّةٍ بالباء لأنه لم يُرِد المصدر بل المراد نوع من التَّحَايَا ، والتنوين فيها للنوعية ، واشتقاقها من « الْحَيَاةِ
» لأن المسلِّم إذا
قال : « سلام عليك » فقد دعا لمخاطب بالسلامة من كل مكروه ، والموت من أشد المكاره
، فدخل تحت الدعاء ، والمراد
بِالتَّحِيَّةِ السلام وغيره من البر ـ كما جاءت به الرواية عنهم (ع). إذا تم هذا فاعلم
أن الجمهور من الفقهاء والمفسرين اتفقوا على أنه إذا قال المسلم : « سلام عليكم
ورحمة الله » فأجيب ب « سلام عليكم ورحمة الله » فهو رد بالمِثْل ولو زِيدَ « وبركاتُه
» فهو أحسن ، وإذا قال : « سلام عليكم ورحمة الله وبركاته » فليس فوقها ما يزيد
عليها ، ويقال : أمر الله تعالى المسلمين بردّ السلام للمسلّم بأحسن مما سلم إن
كان مؤمنا ، وإلا فليقل : « وعليكم » لا يزيد عليها ، فقوله : ( بِأَحْسَنَ مِنْها ) للمسلمين خاصة ، وقوله : ( أَوْ رُدُّوها ) لأهل الكتاب.
قوله : ( وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ ) معناه : أن يُحَيِّيَ
بعضهم بعضا في الجنة
بالسلام ، وقيل : هي تَحِيَّةُ الملائكة إياهم ، فيكون المصدر مضافا إلى المفعول ،
وقيل : هي تحية الله لهم.
قوله : ( فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ
عِنْدِ اللهِ ) أي ثابتة مشروعة من عنده ، لأن التسليم طلب سلامة
المسلم عليه ،