الجواب : إنّ الآيتين في مجال بيان
نتيجة التقوى ، ومزاولتها في اجتناب النار وعذابها ، فهي مطلقة بمنطوقها ، وإن
اختلفت الآراء في تأويلها وتطبيقها.
أمّا أهل السنّة فعلى رأيين في شأن
نزولها ، إذ أكثرهم يرى أنّها نزلت في أبي بكر ، وبعضهم يصرّح بأنّ مورد نزولها
كان أبا الدحداح[١].
وأمّا الشيعة ، فلا ترى صحّة نزولها في
حقّ أبي بكر لما يلي :
أوّلاً : إنّ الروايات المزعومة متعارضة
مع الأحاديث الواردة التي تقول : بأنّها نزلت في حقّ الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله ، أو أمير المؤمنين
عليهالسلام
، أو حتّى التي تشير بأنّ شأن النزول كان في مورد أبي الدحداح.
ثانياً : إنّ القول بثروة أبي بكر قول
بلا دليل ، بل تردّه القرائن والأدلّة الحافّة بالموضوع ، فمثلاً أنّ أباه أبا
قحافة كان فقيراً مدقعاً سيئ الحال[٢]
فهل يعقل وجود هذه الحالة مع ثراء الابن؟ أليس الأولى للولد أن يكون بارّاً لأبيه
قبل الآخرين؟!
وقد ورد في مصادرهم المعتبرة ما ينقض
دعواهم غناء أبي بكر ، فعن أبي هريرة قال : « خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله ذات يوم أو ليلة ،
فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال : « ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة
»؟ قالا : الجوع يا رسول الله.
قال : « وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما ،
قوموا » ، فقاموا معه ... » [٣].
[٣] صحيح مسلم ٦ /
١١٦ ، وأغرب ما في الباب أنّ النووي في شرحه لمسلم ١٣ / ٢١٢ ، لمّا التفت للتناقض
الموجود بين غناء أبي بكر وهذه الرواية الواضحة في فقره ، فلذلك حاول لَي عنقها
وتفسيرها بأبعد ما يكون فقال : وأمّا قولهما : أخرجنا الجوع ، وقوله صلىاللهعليهوآله : « وأنا والذي
نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما » ، فمعناه : أنّهما لما كانا عليه من مراقبة الله
تعالى ، ولزوم طاعته والاشتغال به ، فعرض لهما هذا الجوع الذي يزعجهما ويقلقلهما
ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة ، وتمام التلذّذ بها سعياً في إزالته بالخروج في
طلب سبب مباح يدفعانه به ، وهذا من أكمل الطاعات وأبلغ أنواع المراقبات.
اسم الکتاب : موسوعة الأسئلة العقائديّة المؤلف : مركز الأبحاث العقائدية الجزء : 1 صفحة : 171