اعلم أن الذى ذكرنا حده ينقسم : ففيه ما يكون من فعل المكلّف. وفيه ما يكون من فعل المكلّف. وفيه ما يكون من فعل غيرهما. فما يكون من فعل المكلف تعالى فلا بد من أن يفعله ؛ لأنه بالتكليف قد التزم فعله ، كما التزم الإقدار على ما كلفه والتمكين منه. وهذا نحو ما يفعله تعالى من الآلام والشدائد والمحن ، وسائر ما يعلم تعالى أنه متى لم يفعله بالمكلف لم يختر الطاعة ، وإذا فعله به اختارها ، أو اختار أن لا يفعل المعصية.
ثم ينقسم ذلك : ففيه ما يكون نازلا بالمكلف ، كالألم الذى يخصه. ومنه ما يكون نازلا بغيره ، نحو الآلام للأطفال ؛ لأنها لا بد من أن تكون لطفا لغيرهم. وهذا اللطف هو الذى لو لم يقع منه تعالى لخرج المكلف من أن يكون مزاح العلة من قبله ، ولوجب أن لا يستحق من قبله العقاب ، لأنه صار من هذا الوجه كأنه أتى من قبله لا من نفسه ، فما اختاره من المعصية بمنزلته لو ألجأه إلى المعصية ، أو منعه من الطاعة.
وما يكون من فعل المكلف ، فإنما يجب عليه تعالى إذا هو كلف أن يمكنه من ذلك الفعل ، على الوجه الذى اختاره ، وكان لطفا فى سائر ما كلفه. فمتى فعل ذلك فقد أزاح العلة ، فإن لم يفعله ولم يفعل لأجل عدمه سائر الواجبات ، فقد أتى من قبل نفسه فى كلا الوجهين ، لأنه يمكن أن يفعل الأول ويفعل الثانى ، فإذا حصل به ولم يختر الثانى لأجله ، فهو المقصر ، وإلا فالله تعالى قد أزاح العلة.