اسم الکتاب : متشابه القرآن المؤلف : القاضي عبد الجبار الجزء : 1 صفحة : 480
ومن سورة مريم
٤٤٥ ـ مسألة : قالوا : ثم ذكر تعالى فيها ما يدل على أنه يجعل المؤمن مؤمنا ويخلق الطاعة فيه ، فقال : ( وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا )[١] ، فلو لم يكن رضيا بفعله ، لما صح لهذا الدعاء معنى!
والجواب عن ذلك : أن ظاهره إن دل ، فإنما يدل على أنه تعالى يصح أن يجعله رضيا ويقدر عليه ، وذلك مما لا نأباه ، وإن كنا نقول : إن العبد يفعل ويقدر.
وبعد ، فإن الرضىّ قد يكون رضيا بأمور من قبله ، وقد يكون كذلك بأمور من قبل الله تعالى ، نحو كمال خلقه وعقله وسائر ما يفضله الله تعالى به [٢] على غيره وليس فى الظاهر عموم ، فمن أين أن المراد بذلك أحدهما دون الآخر؟ وقد بينا من قبل أن الداعى إذا دعا بالشيء فلا ظاهر لدعائه ، لأنه إنما يحسن منه القصد ، فما لم يعلم إلى ما ذا قصد لا يعرف فائدته ، لأنه لا بد من شرط فى الدعاء مضمر إذا لم يظهر فيه ذلك ، وكل ذلك يبطل تعلقهم به.
والمراد عندنا بذلك : أنه سأل الله تعالى أن يلطف له ويعينه ليختار ما يصير به رضيا ، كما ذكرنا فى قوله تعالى : ( وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ )[٣] إلى ما جرى هذا المجرى ، وهذا أصل معروف فى اللغة : أنه متى أضيف إلى الغير أمر من الأمور بلفظ يقتضى فى غيره الفعلية ، فيجب أن يكون محمولا على أسبابه ، فلما كان وصف
[١] من الآية : ٦. [٢] ساقطة من د. [٣] انظر الفقرة : ٥٣.
اسم الکتاب : متشابه القرآن المؤلف : القاضي عبد الجبار الجزء : 1 صفحة : 480