ولمّا كانت البعثة لطفاً للمكلّفين فيما يراه المعتزلة فيجب أن تحصل في أتمّ صورة من صور الكمال ، وهذا يقتضي أن تتحقّق في المبعوث صفات معيّنة كالنزاهة عن جميع المنفرات سواء الصغير منها أو الكبير.
ولذا يقرّر المعتزلة أنّه لابدّ له تعالى من « أن يجنّب رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما ينفر عن القبول منه ، لأنّه لو لم يجنّبه عن مثل هذه الحالة لم يقع القبول منه ، ولأنّ المكلّف لا يكون أقرب إلى ذلك إلاّ على ما قلناه ، فيجب أن يجنّبهم اللّه تعالى رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الغلظة والفظاظة وذكر علّته ، قال تعالى : « وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك » [٢] » [٣].
فلذا تكون العصمة ثابتة عندهم بعد البعثة دون قبلها ، ومن الذنوب كلّها ما عدا السهو والخطأ ، وجائز عليهم الذنب قبل البعثة.
يقول البغدادي : فقد سها نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم في صلاته حين سلّم في الركعتين ثمّ بنى عليها وسجد سجدتي السهو ، فقال النظام [٥] : إنّ ذنوبهم على السهو والخطأ مأخوذة لما وقع منهم من هذه الجهة وإن كان ذلك موضوعاً عن أُممهم
[١] شرح الأُصول الخمسة : ٧٨٠ ، والمغني / القاضي عبدالجبارالمعتزلي ١٣ : ١٢. [٢] سورة آل عمران : ٣ / ٥٩. [٣] شرح الأُصول الخمسة : ١٠٥. [٤] ظ : كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد / العلاّمة الحلي : ٣٧٦. [٥] الانتصار / الخياط أبو الحسن عبد الرحيم المعتزلي : ٩٣.