إنَّ بروز فكرة الاعتماد على الرأى كمصدر ثالث للتشريع فى عهد الرسول الأعظم 9 والسِنى الاولى من رحيله الى الرفيق الأعلى له أسبابه السياسية الخاصة المعروفة ، ولكن لِمَ أخذت الفكرة المذكورة بالاختمار أكثر حتى بلغت أوجها على يد إمام الحنفية النعمان بن الثابت؟ ذلك يعود الى المنع من تدوين سنَّة الرسول الاعظم 9 على يد الخلفاء واستمرارا على يد معاوية وحتى خلافة عمر بن عبدالعزيز الّذى حاول رفع الحصار حيث أمر ابن شهاب الزهرى بتدوين الحديث[١].
ويحدث الذهبى أنَّ الخليفة الأوَّل جمع الناس بعد وفاة النبى 9 قائلاً : « إنّكم تُحدِّثون عن رسول اللّه 9أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشدّ اختلافا ، فلاتحدثوا عن رسول اللّه 9شيئاً ، فمن سألكم ، فقولوا : بيننا وبينكم كتاب اللّه فاستحِلّوا حلاله وحرِّموا حرامه » [٢].
ويروى الذهبى أيضاً أنَّ الخليفة الثانى حبس ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري ، قائلاً لهم : « أكثرتم الحديث عن رسول اللّه 9» [٣]. وكان يقول أيضاً للصحابة : « اقلّوا الرواية عن رسول اللّه 9إلاّ فيما يعمل به » [٤].
وفى عهد الخليفة الثالث أعلن على المنبر : « لا يحلّ لأحد يروى حديثا لم يسمع
__________________ [١] طبقات ابن سعد : ٥ / ١٤٠ ؛ فتح الباري ، باب كتابة العلم : ١ / ٢١٨.
[٢] تذكرة الحفاظ : ١ / ٢ ـ ٣. [٣] تذكرة الحفاظ : ١ / ٧. [٤] تاريخ ابن كثير : ٨ / ١٠٧.