جريان عوالم الشر من أبيه الاول الى ولده الاخير وجدنا الشرّ هو الغالب على الشر ، والفساد هو المستولى على الصلاح ، والباطل غابا مستفحل على الحق ، وان الانسانية لاتزال تئنّ من جروح الظلم الدامية ، وترزح تحت اثقال الجور العاتية ، فهل يصلح هذا أن يكون هو الغرض والحكمة لذلك الصانع الحكيم من خلق هذا المخلوق التعيس وهو الانسان ؟ وهل هذه الفائدة والثمرة من ايجاده ؟ كلا ثم كلا وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً هذا البشر الذي ثلثاه شرّ بل أكثره ؟ وقد قال القائل ؟
ليت الكلاب لنا كانت مجاورة
وأننا لم نر ممن نرى أحداً
و قال الاخر :
اني لافتح عيني حين افتحها
على كثير ولكن لا أرى أحداً
أفهذا يصلح أن يكو غاية الصنع ، وفائدة الايجاد ، وثمرة التكوين ؟ جل الصانع وتعالى ، وتقدس عن ذلك ، كيف وقد قال جل شأنه : كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي[١] وقد رأينا اكثر الرسل مغلوبين مقهورين مستضعفين مقتّلين ، ولاشك ان المراد بالغلبة المنوّه عنها في الكتاب هي الغلبة في الدنيا. اما في الاخرة فالغلبة له جل شأنه وحده كل شيء هناك هالك الا وجهه [٢] ـ والملك يومئذ لله الواحد القهار ـ [٣] اذاً فلامحيص ولامجال من ان للحق في هذه الدنيا دولة ، وللصلاح فوزو نجاح وللعدل ظهور وغلبة ، ورسله في هذا الكون سطوة وسلطان على جنود الشيطان ، وان الله جل شأنه سوف يفى بوعده لانبيائه وأوليائه وهو لايخلف الميعاد.
[١] سورة ٥٨ آية : ٢١. [٢] اشارة الى آية : ٨٨ من سورة : ٢٨. [٣] اشارة الى آية : ١٦ من سورة : ٤٠.