وطالما أنّ المعرِّف له الخصوصيات المتقدّمة فإنّ تعيينه يتطلّب دقّة متناهية في الاختيار ، أي لابد وأن يكون أكمل أهل زمانه ، وأفضل من بعث لهم ، فالمرسِل ـ عرفاً ـ يرسل أفضل رسول لديه ينطق عنه ، فبالرسول يستدلّ على المرسِل ، وهنا المرسِل هو الكامل المطلق فلابدّ وأن يكون الرسول أقرب الخلق إليه ، ومَن هكذا صفته أنّى للبشر اختياره ، مهما بلغوا من كمال إلاّ أن يكونوا على حدّ المعرِّف نفسه ، فتنتفي حينئذ فائدة بعثه ، فالمرسِل يجب أن يكون هو الذي يختار المعرِّف ; لأنّه هو وحده العارف به وهناك نماذج عديدة لمحاولات البشر في تعيين مصيرهم وطريقهم للسعادة ولكنها بائت بالفشل.
فالاختيار إذن لله وحده ، متعلّق به كإله وربّ لنا ، يستحيل أن يتعلّق بغيره ، وفي ذلك يقول الله سبحانه بأوضح بيان : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )[١] فالخلق والاختيار له سبحانه ( مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ )