وادّعى ابن أبي الدم أنّ هذا النوع قد انقطع أيضا ، وهو مردود. وقال ابن الصلاح : والّذي رأيته من كلام الأئمّة مشعر بأنّه لا يتأدّى فرض الكفاية بالمجتهد المقلّد [١] ، والّذي يظهر أنّه يتأدّى به فرض الكفاية في الفتوى وإن لم يتأدّ به فرض الكفاية في إحياء العلوم الّتي منها الاستمداد في الفتوى. انتهى ودونه في المرتبة مجتهد الفتيا ، وهو المتبحّر في مذهبه المتمكّن من ترجيح قول على آخر ، وهذا أدنى المراتب ، وما بقي بعده إلّا العامّي ومن في معناه [٢]. انتهى.
فائدة
يظهر من كلام جمع من علماء العامّة أنّ في زمن المتأخّرين منهم انعقد إجماع على أنّه لا يجوز العمل إلّا باجتهاد أربعة من مجتهديهم إلى يوم القيامة ، فلو قلّد أحد في هذا الزمان وبعده مجتهدا خامسا من مجتهديهم المتقدّمين أو اجتهد اجتهادا جديدا كان أهل البدعة والضلالة. نعم ، يجوز الاجتهاد في مذهب أحد الأربعة كما في تلميذي أبي حنيفة فإنّهما اجتهدا في مذهبه أي استخرجا فتاوى بناء على اصوله *.
ولننقل طرفا من كلام الشيخ العالم العلّامة تقيّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الشهير والده بالمقريزي الشافعي من كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ، وقد رأيته في المدينة المنوّرة ، وهو من الكتب الموقوفة على تلك الحضرة الشريفة ، فإنّ فيه تصريحا ببعض ما نسبناه إليهم ، فقال في فصل عنوانه : ذكر مذاهب أهل مصر ونحلهم منذ افتتح عمرو بن العاص أرض مصر إلى أن صاروا إلى اعتقاد المذاهب الأربعة وما كان من الأحداث :
* هذا خلاف المنقول عن أبي حامد الغزالي ، فإنّه جوّز الاجتهاد بعد الأربعة ، إذ لا مانع منه عقلا ولا نقلا ، والإجماع غير معلوم.
[١] ط : المقيّد. [٢] شرح جمع الجوامع : لا يوجد عندنا.