والثاني : اختيار أنّه ليس لله تعالى في المسائل الّتي ليست من ضروريّات الدين ولا من ضروريّات المذهب دليل قطعيّ ، وأنّه تعالى لذلك لم يكلّف عباده فيها إلّا بالعمل بظنون المجتهدين أخطئوا أو أصابوا ، وانجرّ كلامه هذا إلى التزامه كثيرا من القواعد الاصولية المسطورة في كتب العامّة المخالفة لما تواترت به الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام وهو كان في غفلة عن ذلك. ولمّا ألهمني ربّي بذلك ووجب عليّ إظهاره ، لم تأخذني في الله لومة لائم فأظهرته ، والله يعصمني من الناس *.
بعضها ولا يقبل البعض الآخر ؛ وذلك معروف واضح لمن اطّلع على كتب الرجال. والأصحاب قد اطّلعوا على الصحيح منها وغيره ونبّهوا عليه في كتب الرجال وأجهدوا أنفسهم في تحقيق ذلك لعلمهم بأنّها قد امتزج صحيحها بضعيفها ، فلو كانت كلّها صحيحة متواترة كما قاله المصنّف ما كان أغناهم عن هذا الغناء! لأنّها كلّها مأخوذة من اصول ثابتة صحيحة عن الأئمّة عليهمالسلام على مدّعى المصنّف. وكيف جاز له أن ينسب إلى العلّامة الحلّي رحمهالله اعتقاد أنّ معظم تلك الأحاديث الممهّدة بتلك الاصول غير صحيحة؟ ومن أين علم أنّ جميع ما ورد عنهم عليهمالسلام سواء كان صحيحا أو سقيما قد امروا بإثباته وكتابته وقد صحّ عنهم تأمّلهم وتأوّههم ممّن يأخذ الحديث عنهم ويتأوّله له بحسب مراده وهواه ؛ وقد شاع الاختلاف بين الرواة في زمانهم في الأحاديث والكذب عنهم في القدح في حقّ بعض الرواة من الامور الفاحشة الّتي لا يتحمّل الصدق في بعضها ، فكيف بعد هذا يدّعي مدّع أنّ جميع ما يسند إليهم من الأحاديث من قبل ومن بعد يكونون قد امروا بإثباتها مع أنّ فيها ما يقطع بخروجه عن مذهب الشيعة والثابت عنهم منزّه عن الاختلاف والتضادّ وحكمه حكم المتواتر ، وقد صرّحوا بأنّه لا يصحّ فيه الاختلاف. وسيأتي أنّ الشيخ رحمهالله ضعّف بعض الأحاديث من كتابيه وعلّل ضعفها بضعف راويها ، أو إسناده الرواية إلى غير معلوم أنّه الإمام ، أو أنّه مخالف للإجماع ، فكيف يجامع هذا القول أنّه أخذ كتابيه من اصول صحيحة كلّها ثابتة عن الأئمّة عليهمالسلام؟ كما يقوله المصنّف ويلزم الشيخ وأمثاله بشيء ينادون بنفيه عنهم.
* هذا من عظيم الافتراء على العلّامة رحمهالله إنّه يقول ذلك بقول مطلق! وأين وجد ما ادّعاه عليه من التزامه لمخالفة الأخبار المتواترة في اصول أو فروع؟ والعلّامة أعرف منه بالأخبار وأوسع اطّلاعا في جميع العلوم والآثار. والمباحث الاصوليّة أغلبها مشتركة بيننا وبين العامّة وأغلب أدلّتها العقل ، والحقّ منها ظاهر على مذهب الشيعة.