ومن المعلوم : أنّ اعتبار ظنّ المجتهد المتعلّق بنفس أحكامه تعالى مستلزم لتلك المحذورات * ، ألا ترى أنّ في كثير من المسائل تخطر ببال جمع من أهل الاستنباط أنواع من الترجيحات دون جمع وفي وقت دون وقت.
والعامّة اعترفوا بذلك في كتب الاصول ، ففي شرح العضدي للمختصر الحاجبي في مبحث القياس : من شروط العلّة أن تكون وصفا ظاهرا منضبطا في نفسه حتّى تكون ضابطا للحكمة لا حكمة مجرّدة ، وذلك لخفائها كالرضا في التجارة فنيط
به المصنّف لا يخفى عدم مناسبته لذلك.
وأمّا ما ذكره من الرسالة المنقولة عن الصادق عليهالسلام إن صحّ ذلك فهو محمول على تيسّر العلم بالعلم أو حصول ظنّ أرجح من ظنّ المجتهد كما فرضناه في المتجزّي ، بل الظاهر أنّ ذلك المقصود به ما تجوّزه العامّة من الرجوع إلى ظنّ المجتهد كيف كان عن أصل أو رأي أو قياس أو خبر ضعيف ، خصوصا في زمن الصادق عليهالسلام وكثرة المفتية والقضاة وانتشار أقوالهم الباطلة المخالفة لمذاهب الأئمّة ، ولم يكن في زمن الصادق عليهالسلام مجتهدون مشهورون من الإماميّة حتّى يعنيهم بهذا الكلام ويقصدهم.
* لو كان كلّ ما يحتاج إليه المكلّف في الاصول والفروع يوجد في الأحاديث الصحيحة الّتي يفيد العلم ما يفيد حكمها صريحا أو فحوى لم يحتج إلى الاجتهاد ، وكان كلّ من عرف الخطّ وقرأه يستفيد منه حكم ما يسأل عنه ، كما هو ظاهر دعوى المصنّف ثبوت ذلك. لكن الكلام أوّلا في وجود ذلك وفي معرفة تمييز صحّة الحديث من الضعيف ، وثانيا في فهم معناه ، وثالثا في كون دلالة الحديث ظاهرة في المقصود وهذا لا يتيسّر لغالب المكلّفين فاحتيج إلى مجتهد يقتدر على ذلك على استخراج ما تدعو ضرورة التكليف إليه ـ إذا لم يتيسّر ما ذكرناه من وجود دلالة الحديث دلالة ظاهرة أو عدم وجود حديث بخصوص تلك المسألة ـ بقدرة ربّانيّة وإلهام توفيقي لا يخرج ذلك عن اتّباع حديثهم الصحيح عليهمالسلام في ذلك الحكم. وحصول الاختلاف في الظنّ على هذا الوجه بين العلماء لا محذور فيه بعد بذل الوسع والطاقة ودعاء الضرورة إليه. ولو رجعنا إلى الاستفادة من صريح الأحاديث لتعطّلت أكثر الأحكام بالجهالة ، والدين أوسع من ذلك ، وقد اشتهر قول رسول الله صلىاللهعليهوآله : جئتكم بالشريعة السمحة السهلة [١].