الْجِبالُ هَدًّا»[1]. وَ لَقَدْ أَتَيْتُمْ بِهَا خَرْقَاءَ شَوْهَاءَ بَلَاغَ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ، أَ فَعَجِبْتُمْ أَنْ قَطَرَتِ السَّمَاءُ دَماً، وَ لَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى، فَلَا يَسْتَخِفَّنَّكُمُ[2] الْمَهَلُ، فَإِنَّهُ لَا يَحْفِزُهُ الْبِدَارُ، وَ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ فَوْتُ[3] الثَّأْرِ، كَلَّا «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ»[4].
قَالَ: ثُمَّ سَكَتَتْ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ حَيَارَى، قَدْ رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَ رَأَيْتُ شَيْخاً قَدْ بَكَى حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَ هُوَ يَقُولُ:
كُهُولُكُمْ خَيْرُ الْكُهُولِ وَ نَسْلُكُمْ
إِذَا عُدَّ نَسْلٌ لَا يَخِيبُ وَ لَا يَخْزَى
.
143- 52- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْوَرَّاقُ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو الْجَحْدَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ دَاحَةَ، قَالَ: أَوَّلُ شِعْرٍ رُثِيَ بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَوْلُ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ، مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَالِبٍ:
إِذَا الْعَيْنُ قَرَّتْ فِي الْحَيَاةِ وَ أَنْتُمْ
تَخَافُونَ فِي الدُّنْيَا فَأَظْلَمَ نُورُهَا
مَرَرْتُ عَلَى قَبْرِ الْحُسَيْنِ بِكَرْبَلَاءَ
فَفَاضَ عَلَيْهِ مِنْ دُمُوعِي غَزِيرُهَا
فَمَا زِلْتُ أَرْثِيهِ وَ أَبْكِي لِشَجْوِهِ[5]
وَ يَسْعَدُ عَيْنِي دَمْعَهَا وَ زَفِيرَهَا
وَ بَكَيْتُ مِنْ بَعْدِ الْحُسَيْنِ عَصَائِباً
أَطَافَتْ بِهِ مِنْ جَانِبَيْهِ قُبُورَهَا
سَلَامٌ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ بِكَرْبَلَاءَ
وَ قُلْ لَهَا مِنِّي سَلَامٌ يَزُورُهَا
سَلَامٌ بِآصَالِ الْعَشِيِّ وَ بِالضُّحَى
تُؤَدِّيهِ نَكْبَاءُ الرِّيَاحِ وَ مُورُهَا[6]
[1] سورة مريم 19: 89 و 90.
[2] في نسخة: يستعجلنّكم.
[3] في نسخة: فوات.
[4] سورة الفجر 89: 14.
[5] الشجو: الهم و الحزن، و الشوط من البكاء.
[6] النكباء: ريح انحرفت و وقعت بين ريحين كالصبا و الشمال، و المور: الغبار تثيره الريح، و المور: الاضطراب.