ذَلِكَ، وَ انْثَالُوا عَلَيَّ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ[1] وَ شَقَّ عِطَافِي، فَلَمَّا نَهَضْتُ بِهَا وَ بِالْأَمْرِ فِيهَا نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، وَ مَرَقَتْ طَائِفَةٌ، وَ قَسَطَ آخَرُونَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ يَقُولُ: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»[2]، بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا، وَ لَكِنْ رَاقَتْهُمْ دُنْيَاهُمْ وَ أَعْجَبَهُمْ زِبْرِجُهَا.
أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْ لَا حُضُورُ النَّاصِرِ، وَ لُزُومُ الْحُجَّةِ وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْأَمْرِ مِنْ أَنْ لَا يُقَارُّوا[3] عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ سَغَبِ مَظْلُومٍ، لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، وَ لَأَلِفُوا دُنْيَاهُمْ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ".
فَنَاوَلَهُ رَجُلُ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ كِتَاباً فَانْقَطَعَ كَلَامُهُ، فَمَا أَسِفْتُ عَلَى شَيْءٍ كَأَسَفِي عَلَى مَا فَاتَ مِنْ كَلَامِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ اطَّرَدْتَ مَقَالَتَكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ إِلَيْهِ مِنْهَا. فَقَالَ: هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، تِلْكَ شِقْشِقَةٌ[4] هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ..
804- 55- أَخْبَرَنَا الْحَفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الدِّعْبِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ بِبَغْدَادَ بِالْكَرْخِ بِدَارِ كَعْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ الرَّفَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ الدِّعْبِلِيُّ: وَ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ بِصَنْعَاءِ الْيَمَنِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ ثَمَانِينَ وَ مِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ نِسْوَةٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) يَعُدْنَهَا فِي عِلَّتِهَا، فَقُلْنَ لَهَا: السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، كَيْفَ أَصْبَحْتِ فَقَالَتْ: أَصْبَحْتُ وَ اللَّهِ عَائِفَةً لِدُنْيَاكُنَّ، قَالِيَةً لِرِجَالِكُنِّ، لَفَظْتُهُمْ بَعْدَ إِذْ عَجَمْتُهُمْ، وَ سَئِمْتُهُمْ بَعْدَ إِذْ سَبَرْتُهُمْ، فَقُبْحاً
[1] قيل: هما الابهامان.
[2] سورة القصص 28: 83.
[3] أي يوافقوا مقرّين.
[4] الشقشقة: شيء كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج.