قَالَ أَبُو الصَّلْتِ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي أَحْمَدُ: يَا أَبَا الصَّلْتِ، لَوْ قُرِئَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَلَى الْمَجَانِينِ لَأَفَاقُوا.
40- 9- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْمَرْزُبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطُّوسِيُّ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَسَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ، فَقَامَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) خَطِيباً فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَعَ الْإِسْلَامَ فَسَهَّلَ شَرَائِعَهُ لِمَنْ وَرَدَهُ، وَ أَعَزَّ أَرْكَانَهُ عَلَى مَنْ حَارَبَهُ، وَ جَعَلَهُ عِزّاً لِمَنْ وَالاهُ، وَ سِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ، وَ هُدًى لِمَنِ ائْتَمَّ بِهِ، وَ زِينَةً لِمَنْ تَحَلَّى بِهِ، وَ عِصْمَةً لِمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ، وَ حَبْلًا لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَ بُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ، وَ نُوراً لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِهِ، وَ شَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ، وَ فُلْجاً لِمَنْ حَاجَّ بِهِ، وَ عِلْماً لِمَنْ وَعَاهُ، وَ حَدِيثاً لِمَنْ رَوَاهُ، وَ حُكْماً لِمَنْ قَضَى بِهِ، وَ حِلْماً لِمَنْ جَرَّبَ، وَ لُبّاً لِمَنْ تَدَبَّرَ، وَ فَهْماً لِمَنْ فَطَنَ، وَ يَقِيناً لِمَنْ عَقَلَ، وَ تَبْصِرَةً لِمَنْ عَزَمَ، وَ آيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ، وَ عِبْرَةً لِمَنِ اتَّعَظَ، وَ نَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ، وَ مَوَدَّةً مِنَ اللَّهِ لِمَنْ أَصْلَحَ، وَ زُلْفَى لِمَنِ ارْتَقَبَ، وَ ثِقَةً لِمَنْ تَوَكَّلَ، وَ رَاحَةً لِمَنْ فَوَّضَ، وَ جُنَّةً لِمَنْ صَبَرَ.
الْحَقُّ سَبِيلُهُ، وَ الْهُدَى صِفَتُهُ، وَ الْحُسْنَى مَأْثُرَتُهُ، فَهُوَ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ، مُشْرِقُ الْمَنَارِ، مُضِيءُ الْمَصَابِيحِ، رَفِيعُ الْغَايَةِ، يَسِيرُ الْمِضْمَارِ، جَامِعُ الْحُلْبَةِ، مُتَنَافِسُ السُّبْقَةِ، كَرِيمُ الْفُرْسَانِ، التَّصْدِيقُ مِنْهَاجُهُ، وَ الصَّالِحَاتُ مَنَارُهُ، وَ الْفِقْهُ مَصَابِيحُهُ، وَ الْمَوْتُ غَايَتُهُ، وَ الدُّنْيَا مِضْمَارُهُ، وَ الْقِيَامَةُ حُلْبَتُهُ، وَ الْجَنَّةُ سُبْقَتُهُ وَ النَّارُ نَقِمَتُهُ، وَ التَّقْوَى عُدَّتُهُ، وَ الْمُحْسِنُونَ فُرْسَانُهُ.
فَبِالْإِيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ، وَ بِالصَّالِحَاتِ يُعْمَرُ الْفِقْهُ، وَ بِالْفِقْهِ يُرْهَبُ الْمَوْتُ، وَ بِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا، وَ بِالْقِيَامَةِ تُزْلَفُ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَ تُبَرَّزُ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ.
وَ الْإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ: الصَّبْرِ وَ الْيَقِينِ وَ الْعَدْلِ، وَ الْجِهَادِ. فَالصَّبْرُ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: الشَّوْقِ، وَ الشَّفَقِ، وَ الزَّهَادَةِ، وَ التَّرَقُّبِ، أَلَا مَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ سَلَا عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَ مَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ رَجَعَ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَ مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا هَانَتْ عَلَيْهِ