الْمَأْمُونِ- فَقَالَ لَهُ: أَنْشِدْنِي قَصِيدَتَكَ، فَجَحَدَهَا دِعْبِلٌ، وَ أَنْكَرَ مَعْرِفَتَهَا. فَقَالَ لَهُ: لَكَ الْأَمَانُ عَلَيْهَا كَمَا آمَنْتُكَ عَلَى نَفْسِكَ، فَأَنْشَدَهُ:
تَأَسَّفَتْ جَارَتِي لَمَّا رَأَتْ زَوْرِي
وَ عَدَّتِ الْحِلْمَ ذَنْباً غَيْرَ مُغْتَفَرٍ
تَرْجُو الصَّبَا بَعْدَ مَا شَابَتْ ذَوَائِبُهَا
وَ قَدْ جَرَتْ طِلْقاً فِي حَلْبَةِ الْكِبَرِ
أَ جَارَتِي إِنَّ شَيْبَ الرَّأْسِ يُعْلِمُنِي[1]
ذِكْرَ الْمَعَادِ وَ أَرْضَانِي عَنِ الْقَدَرِ
لَوْ كُنْتُ أَرْكَنُ لِلدُّنْيَا وَ زِينَتِهَا
إِذَنْ بَكَيْتُ عَلَى الْمَاضِينَ مِنْ نَفَرٍ
أَخْنَى الزَّمَانُ عَلَى أَهْلِي فَصَدَّعَهُمْ
تَصَدُّعَ الْقَعْبِ[2] لَاقَى صَدْمَةَ الْحَجَرِ
بَعْضٌ أَقَامَ وَ بَعْضٌ قَدْ أَهَابَ بِهِ[3]
دَاعِي الْمَنِيَّةِ وَ الْبَاقِي عَلَى الْأَثَرِ
أَمَّا الْمُقِيمُ فَأَخْشَى أَنْ يُفَارِقَنِي
وَ لَسْتُ أَوْبَةَ مَنْ وَلَّى بِمُنْتَظِرٍ
أَصْبَحْتُ أُخْبِرُ عَنْ أَهْلِي وَ عَنْ وُلْدِي
كَحَالِمٍ قَصَّ رُؤْيَا بَعْدَ مُدَّكَرٍ
لَوْ لَا تَشَاغُلُ عَيْنِي بِالْأُلَى سَلَفُوا
مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ أَقِرِ
وَ فِي مَوَالِيكَ لِلْمَحْزُونِ مَشْغَلَةٌ
مِنْ أَنْ تَبِيتَ لِمَفْقُودٍ[4] عَلَى أَثَرِ
كَمْ مِنْ ذِرَاعٍ لَهُمْ بِالطَّفِّ بَائِنَةٍ
وَ عَارِضٍ بِصَعِيدِ التُّرْبِ مَنْعَفِرٌ
أَنْسَى الْحُسَيْنَ وَ مَسْرَاهُمْ لِمَقْتَلِهِ
وَ هُمْ يَقُولُونَ هَذَا سَيِّدُ الْبَشَرِ
يَا أُمَّةَ السَّوْءِ مَا جَازَيْتَ أَحْمَدَ فِي
حُسْنِ الْبَلَاءِ عَلَى التَّنْزِيلِ وَ السُّوَرِ!
خَلَفْتُمُوهُ عَلَى الْأَبْنَاءِ حِينَ مَضَى
خِلَافَةَ الذِّئْبِ فِي إِبْقَارِ ذِي بَقْرٍ
قَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ: وَ أَنْفَذَنِي الْمَأْمُونُ فِي حَاجَةٍ، فَقُمْتُ فَعُدْتُ إِلَيْهِ، وَ قَدِ انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ:
لَمْ يَبْقَ حَيٌّ مِنَ الْأَحْيَاءِ نَعْلَمُهُ
مِنْ ذِي يَمَانٍ وَ لَا بَكْرٍ وَ لَا مُضَرٍ
[1] في نسخة: ثقلني.
[2] القعب: القدح.
[3] أي دعاه أو زجره.
[4] في نسخة: لمشغول.