مبائنة للغيرية ، لا
تتعين إلاّ بدال آخر ، فلو كان هناك قرينة على أحد الطرفين فهو ، وإلاّ يصير
الكلام من هذه الجهة مجملاً. [١]
يلاحظ
عليه : أنّ ما ذكره صحيح إذا لوحظ كلّ من
القسمين برؤية عقلية ، فلكلّ ، قيد يمتاز به عن المقسم والقسم الآخر ، وأمّا إذا
لوحظ برؤية عرفية فالعرف يرى الوجوب النفسي ، نفس الوجوب بلا قيد ، وهكذا الآخران
، من دون أن يزيد على الوجوب بشيء ، وذلك لأنّ القيد في الواجب النفسي ، أعني قوله
: « ما وجب لذاته أو لنفسه » ليس شيئاً زائداً على أصل الأمر ، بل هو تأكيد له ،
فلا يتلقّاه العرف أمراً زائداً على أصل الوجوب وإن كان في نظر العقل قيداً
زائداً.
وبه يتبين حال الأمرين الآخرين ، فانّ
تفسير التعييني « بما وجب وإن أتى بشيء آخر » ، وتفسير العيني « بما وجب وإن أتى
به آخر » ، ليس قيداً زائداً على الوجوب ، بل هو تفسير لإطلاق الوجوب وسعته وانّه
غير محدد ولا مقيّد ، وواجب في كلتا الحالتين ، وعليه يكفي في بيانه السكوت بخلاف
القيد في الأقسام الثلاثة ، فانّه تحديد للوجوب وتضييق له فلا يكفي في بيانه
السكوت ، بل لابدّ من التكلّم به ، فإذا سكت يحمل على الفرد الذي يكون إطلاق
الوجوب كافياً في بيانه وإفادته.
وبعبارة أُخرى : انّ الإطلاق عبارة عن
كون ما وقع تحت دائرة الطلب تمام الموضوع للحكم ، ويكون وافياً بإفادة المقصود ،
فلو أُريد النفسي ونظيره ، فالوجوب المطلق من غير قيد باللفظ واف بإفادة المراد ،
وإن أُريد المقيّد ، فالتعبير غير واف ، وقد عرفت انّ النفسي والتعييني والعيني ،
نفس الوجوب المطلق في منظر العرف لا تزيد عليه بشيء في ذهنه. وكأن العرف يتلقى
السكوت وافياً ببيان الثلاثة الأول ، دون الثلاثة الأُخر.