اسم الکتاب : أربع رسائل كلاميّة المؤلف : الشهيد الأول الجزء : 1 صفحة : 168
لزم الكذب في خبره
تعالى ؛ لأنّ من جعل الأوامر وجها فقد سئل عندهم ، وإن تعلّق بدار الآخرة لم يدلّ
على نفي السؤال ، فلا تنفعه الآية في إسقاط اعتبار.
قال : ( أو تكافأ عنده الوجهان المذكوران ، فرجع بصره خاسئا
وفكره حسيرا ، فاقتصر على مجرّد الأمر والنهي اللذين لا يعلم غايتهما ).
أقول : هذا هو الأصل الثالث الذي يمكن بناء مذهب الأشعري عليه ،
وهو أنّه لمّا لم يحكم ببطلان شيء من المذهبين السالفين ، بل قام كلّ منهما عنده
في حيّز الرجحان اقتصر
كذلك على مجرّد الأمر والنهي ؛ لعدم علمه لغايتهما ، لا لأنّه لا غاية في نفس الأمر لهما ، بل قصرت عنها
بصيرته ، وحسرت لديهما فكرته ، فعظمت فيها حيرته. والفرق بين هذا الأصل وما قبله
أنّ هذا مبنيّ على قيام كلّ من المذهبين ، والأوّل على القدح فيهما من الجانبين.
قال : ( ويمكن أيضا أن يشير بهما إلى قصر العبادة على التوجّه
إلى المعبود ؛ فإنّ اللطف والشكر وإن كانا بالقرب إليه إلاّ أنّ إسقاط الوسائط من
البين أقرب ).
أقول : هذا هو الأصل الرابع الذي يحتمل بناء مذهب الأشعري عليه
؛ فإنّه لمّا كانت العبادة تقرّب إلى اللطف على المذهب الأوّل ، وإلى الشكر على
المذهب الثاني ، وهما يقرّبان إلى الله سبحانه وتعالى كان إسقاطهما من صرحة
الاعتبار أولى ؛ لأنّه أقرب إليه تعالى ، ولهذا كانت عبادة الأوثان كفرا ، وإن
تقرّبوا بها إليه كما حكاه الكتاب العزيز في قوله : ( ما نَعْبُدُهُمْ
إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى )[١].
ونحن نقول : على
هذا إذا حكمنا بأنّ وجوب السمعيّات لمجرّد الأمر واعتبرنا مجرّد الأمر وجها فقد
أدخلنا الواسطة. نعم ، لو قال الأشعري : وحيث لا لوجه البتّة ، أمر ولا غيره أمكن
على أصله المتقدّم ذلك.