القسم التاسع عشر: إحياء الأرض الميتة بالسحب الممطرة
«ثُمَّ لَمْ يَدَعْ جُرُزَ الأَرْضِ الَّتِي تَقْصُرُ مِيَاهُ الْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيهَا، وَلَا تَجِدُ جَدَاوِلُ الأَنْهَارِ ذَرِيعةً إِلى بُلُوغِهَا، حَتَّى أَنْشَأَلَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْيِي مَوَاتَهَا، وَتَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْد افْتِرَاقِ لُمَعِهِ، وَتَبَايُنِ قَزَعِهِ، حَتَّى إِذَا تمخضت لُجَّةُ الْمُزْنِ فِيهِ، وَالْتَمَعَ بَرْقُهُ فِي كُفَفِهِ، وَلَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ، وَمُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ، أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِكاً، قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ، تَمْرِيهِ الْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِيبِهِ، وَدُفَعَ شَآبِيبِهِ. فَلَمَّآ أَلْقَتِ السَّحابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا، وَبَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ المَحْمُولِ عَلَيْهَا، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الأَرْضِ النَّبَاتَ، وَمِنْ زُعْرِ الْجِبَالِ الأَعْشَابَ، فَهِي تَبْهَجُ بِزِينَةِ رِيَاضِهَا وَتَزْدَهِي بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ، أَزَاهِيرِهَا، وَحِلْيَةِ مَا سُمِطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا، وَجَعَلَ ذلِكَ بَلَاغاً لْلأَنَامِ، وَرِزْقاً لْلأَنْعَامِ، وَخَرَقَ الْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا، وَأَقَامَ المَنَارَ لِلسَّالِكينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا».
الشرح والتفسير
أشار الإمام عليه السلام في هذا المقطع من الخطبة إلى نعمة مهمّة اخرى لا تتمّ الحياة بدونها على سطح الأرض، حيث شرحها بعبارات لطيفة رائعة، فقال عليه السلام:
«ثم لم يدع جرز [1] الأرض التي
تقصر مياه العيون عن روابيها [2]، ولاتجد جداول الأنهار ذريعة إلى بلوغها، حتى أنشأ لها
[1] «جرز»؛ تطلق على الأرض التي تمر عليها مياه العيون فتنبت.
[2] «روابي» جمع «رابية» من مادة «ربو» على وزن غلو مرتفعات الأرض.