فهم على أهبة الاستعداد للعبادة على الدوام. ثم اختتم ذلك بقوله عليه السلام:
«ولاتعدوا على عزيمة جدهم بلادة
الغفلات، ولاتنتضل [2] في هممهم خدائع الشهوات»
، حقاً أنّ وجودهم خال من أية شهوة وغفلة، ولهم ايمان وحب لخالقهم على درجة من
القوة والرسوخ بحيث لايتسلل إليهم التعب والملل أبداً في مسيرتهم العبادية وطاعتهم
لربّهم.
تأمّل: الناس والملائكة
هدف الإمام عليه السلام باختصار بيان حال الملائكة في طاعتها وعبوديتها
للَّهسبحانه بعبارات مفعمة بالكنايات والتشبيهات المقرونة بروعة الدقة، و الجمال
ليكون ذلك في الواقع درساً لكافة الأفراد في أنّ الإنسان إذا شق طريقة إلى اللَّه
وسار نحو مقام القرب إلالهي وذاق بروحه وأحاسيسه حلاوة معرفة اللَّه وارتوى من
حبه وعشقه، إلّايستشعر التعب والفتور أبداً في مسيرته العبودية وطاعته لربه، وعليه
أن يكون أكثر جدية وعزماً كلما تقدم في هذه المسيرة.
فقد ورد في سيرة الائمة ورواد الطريق من العلماء الأعلام ما يشير إلى أنّ
الإنسان يمكنه أنّ يكون على غرار الملائكة في هذه الامور، بل له أن يسبقهم ويتفوق
عليهم، وذلك لأنّ الملائكة مجردة من الأهواء والشهوات و الغفلة، فاذا نال الإنسان
تلك الصفات، كان حقاً أفضل من الملائكة. جاء في الخبر أنّ الإمام زين العابدين علي
بن الحسين عليه السلام لم ينقطع أربعين سنة عن صلاة الليل، حتى أنّه كان يصلي
الصبح بوضوء المغرب:
«إنّه عليه السلام صلى أربعين سنة
صلاة الصبح بوضوء المغرب» [3]
، وقال الإمام الباقر عليه السلام في وصفه لعبادة الإمام علي عليه السلام:
«ما أطاق أحد عمله وإن كان علي بن
الحسين لينظر في كتاب من كتب علي
[1] «يثنوا» من مادة «تثني» بمعني
الطي وأن أطلقت على المدح فلأنها تعدد صفات الشخص البارزة الواحدةبعد الأخرى.