افراط وتفريط في كافة الشؤون العبادية والاخلاقية والسياسية والاقتصادية.
ولعل هناك من يتصور أن هناك تضاد بين العبارة
«وحكمه العدل»
وما ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال:
«إنّما أقضي بينكم بالبينات والإيمان،
وبعضكم ألحن بحجته من بعض؛ فأيما رجل قطعته من مال أخيه شيئا، فانما قطعت له به
قطعة من النار». [1]
وذلك لأنّ النبي صلى الله عليه و آله قد يحكم بخلاف الواقع على ضوء مفهوم هذا
الحديث. إلّاأنّ الجواب على هذا الإشكال يبدو واضحاً، وهو أنّ النبي صلى الله
عليه و آله لم يستعن في إصداره للأحكام على الوحي والغيب، وإنّما يصدر أحكامه
دائماً على ضوء الأدلة والمدارك المتعارفة الموجودة، وهذا بحد ذاته عين العدالة،
في أن يستند القاضي إلى المدارك الموجودة في إصداره للأحكام والقضاء، فاذا كان
هناك من يضعف عن بيان الحق، أو لا يستطيع أن يقدم المدارك المطلوبة فيتعرض إلى
نوع من الاجحاف فانّ ذلك لا يخدش البتة في عدالة القاضي، ولو كان غير ذلك لما أمكن
تسميته عادلًا.
ثم اختتم الإمام عليه السلام كلامه بالاشارة إلى الظروف الصعبة والملابسات
التي رافقت ظهور النبي صلى الله عليه و آله ليكشف النقاب عن عظمة دعوة النبي صلى
الله عليه و آله والجهود الجبارة التي بذلها في هذا الشأن، فقد بعثه الله بعد مدة
طويلة من الرسل (ومن هنا) ابتعد الناس عن العمل الصالح وعاشوا الانحراف، وساروا
نحو الجهل والظلام:
وتتضح حقيقة هذه العبارات من خلال التأريخ البشري إبان ظهور الدعوةالإسلامية،
ولاسيما أوضاع عرب الجاهلية. [4]
ومن الطبيعي أن تكون وظيفة أولياء الله والمصلحين الربانيين ودعاة العدل والحق
والاخلاق والفضيلة أصعب وأعقد كلما كانت الظروف السائدة قاسية تدعو إلى الجهل